الخميس، 11 نوفمبر 2010

عند ما نجامل







قد تكون الحياة مسرحاً كما قال شكسبير . مادام المسرح لنا ، ونحن الممثلون. علينا أن نؤدي الدور . لكن ما هو دورنا على هذا المسرح الذي هو لنا ؟ تتعدد الأدوار . بالنسبة لي : لو خيرت لكنت غنيت أغنية جميلة عن الحب تمثل حالة حقيقية أعيشها في تلك اللحظة فتأسر الجمهور بصدقها . لكنني لم أغنها ولم أعد قادرة على ذلك . أتدرون لماذا ؟ سأقول لكم : كنت مجاملة من الدرجة الأولى للتخلف . كيف ؟ كنت بكل بساطة مزيفة . أردت أن يصفق لي جمهور مزيف مثلي فرض أفكاره . أردت أن تكون صورتي لامعة أمامه - أعني التخلف - لذا خسرت نفسي قبل كل شيء ، وانتهى دوري على المسرح . بت بعدها مغتربة ومتغربة عن نفسي والمجتمع . لم أغني أغنيتي . لم يصفق لي أحد . أعطيت حياتي ثمناً له. و " له" هذه تعني التخلف دائماً . فعلت ذلك كي لا يضعني على قائمته السوداء وأفوز بغمزة رضا منه . . لذا حزمت حقائبي فيما بعد . هربت من نفسي أولاً ومنه ثانياً .


قد تسألون : ماذا خسرتِ من مجاملة ما تسمينه التخلف ؟ كان لك وزن واعتبار . حتى لو عاد الأمر بك إلى الماضي ماذا كنت ستفعلين ؟ لقد فات الأوان . لكن أقول لكم : أنني أحببت أن أكون أنثى تسمع كلمات الغزل . مطربة تجيد الغناء . كاتبة لأفلام تمثل في السينما ، وأحضر العرض الأول فيها . أسمعكم تقولون : ومن أنت ؟ أقول لكم : إنني من رائحة عشتار . من عصر كانت النساء فيه آلهة . إنني أنثى رغبت في ان تبقى كذلك على مدى الأيام . لكن مجاملتي جعلت مني شبه أنثى . لم أعترف بنفسي أبداً ، كي لا يغضب مني " هو " وبذلك تسوء سمعتي معه . لذا حزمت حقائبي على أمل النسيان . عندما أنسى لابد أن أعود إلى طفولتي . أشتري فستاناً جميلاً أقف فيه على مسرح مدرسة بعيدة ، لكنها نظيفة . تحيط بي فتيات كالملائكة . أغني أغنيتي . يصفق لي الجمهور . أكون سعيدة ثم أنتقل إلى الشباب بعد أن أنحني لجمهوري بتواضع وفرح الأطفال . .


الجميع يرغب بمسرح وجمهور وثوب أو ربما بذلة جميلة . يرغب في أن يقول كلمة شكراً محيياً جمهوره . لكن الموضوع ليس في الرغبة أو الأمنية . الموضوع برمته مرهون بثقافتنا ونظرتنا إلى من يتفوق علينا بأداء مسرحي على مسرح الحياة . قد أكون في الماضي اكتسبت ثقافة الجمع الذي أنتمي إليه ، والذي لا يجوز أن أبتعد عن أفكاره ، لأنني أكون بابتعادي هذا قد خالفت ضمير التخلف .وحتى إن لم


أكتسبها لن يكون لي إلا ما يريده " هو " . في لحظة عتاب بيني وبينه . تجاوز على كرامتي كثيراً. قررت أن أخونه . لذا أردت أن أبدأ مرحلة جديدة من التآمر عليه . كي أفوز بالابتعاد عنه . وأعود إلى أصالتي حيث أنني أشعر أنني مملوءة بالإضاءة والعطاء . لكن لا طريق أمامي سوى المؤامرة . هكذا تربيت !


. هو يعرفني لم تكن حياتي لتخفى عنه . ضاق ذرعاً بي . احتج على الخيانة بعد أن رباني سنوات العمر كله. يطالب بحقه علي في الاعتراف بالجميل والتعويض عن رعايته لي .



أعرف جيداً أنني وقعت في الفخ . فخ الخيانة التي يستحق فاعلها الموت . لذا لابد من محكمة ميدانية استثنائية لفرض العقوبة علي . من يومها وأنا أنتظر بفارغ الصبر هذه العقوبة كي أنتهي من الموضوع ، وأصبح حرة مهما كانت العقوبة . "حتى الموت حرية في بعض الأحيان ، " لكنه رحم بي . فقط جردني من بركاته . هذا ما أخجل تواضعي وجعلني أسعى مرة أخرى لإرضائه . عقدنا صفقة جديدة . ترك لي حرية التعبير . من يومها قررنا استبدال اسمه بأسماء أخرى ليس لها معنى مثل شرف . كرامة ، وأسماء كثيرة يمكن ابتكارها حسب المناسبة . من يومها وهو يقدم لي الشكر والامتنان كل يوم على تحسين صورته و اسمه ، وتقديمه من جديد . تصوروا : أنني وقفت إلى جانبه عندما أصبحت النساء تقتل تحت اسم جريمة الشرف . هكذا أنا لي وجهان . أحدهما يرغب في الحرية . في أن أكون أنثى يخطفها فارس بحصان ولو كان أسود . إلى حامية للتخلف مبررة له قتل النساء على يديه .


الحياة مسرحنا . لن نقدم أدوارنا عليه بعد أن نغادرها . سيقدمها من يأتون بعدنا سيوجهون لنا التهمة بأننا كنا ممثلين في مسرح دمى ليس إلا .


أسأل نفسي اليوم : لماذا قضيت سنوات عمري كلها أبحث عن نفسي ولا أجدها في هذا المكان ؟ لكن من أين لي أن أعرف ذلك بينما أجلس في ظلام نفسي أناجيها كي تفك عني الكرب ؟ قد تضيق بنا المساحات ، وتتعبنا الأحلام ، لكن المجاملة فن تستطيع من خلاله قول ما ترغب في قوله بأسلوب لطيف تصل معه فكرتك ورسالتك إلى الآخر ، وليس أن تقع في أحضانه في زواج ليس فيه تطليق . لذا اكتشفت أنني لم أكن مجاملة له بل وقعت في أحضانه . لكن للأسف لن يكون طلاق بيننا ! ! !
نادية خلوف ارسال نانسي

حرية القلم

هناك محرمات مفروضة علينا في التفكير . عندما نكتب لابد أن يعمل مقص عقلنا الداخلي ، وليس مقص الرقيب . فنصنف ما نفكر بكتابته لنرى أن الممنوعات هي القاعدة العامة . مقص الرقيب سهل . لأنه يتخصص بسياسة محطة ما ، أو دولة ما ويكون لك الحرية بعدها . لكن محرمات عقلنا الداخلي كثيرة . لست أنا فقط من أخاف . كلكم مثلي خائفون مهزومون تكتبون على أنه القلم الحر ، لكنه القلم المحرم المحظور . ليس من قبل رقيب خارجي بل من عقلكم الباطن الذي أرهبه موضوع الرقيب والرقابة فأعطى لنفسه الحق برقابة ذاتية أو ربما إلغائية لقلمه هو . البعض من الذين يكتبون بقلم حر مقصوص بمقص عقله الباطن يفهم ما أتحدث عنه فهو يكتب من حيث لا يدري . يسترضي ذلك الشخص أوذاك النظام . هو فعلاً عبر عن ذاته ، لكن ذاته تلك تمسك بالمقص وهي تنتظر كلماته لتقول له : هذه احذفها من أجل أن لا يتأذى أهلك هناك، وتلك الكلمة عدلها كي لا يفهم الشخص المعني أنها تتناوله - لكنها تتناوله ! – احذف وكفى .







هناك برمجة لغوية عصبية . برمجة ذاتية ، وبرمجة عربية . البرمجة العربية هي أنجحها ، لأنها تمكنت من إقناع الفرد أن عليه أن يقص من ذهنه كل ما يظهر هويته . تصوروا وصل بنا الحد أنه ربما لم نعد تحتاج للسجون لأن كل إنسان أصبح رقيباً على نفسه، ومقصاً لما ترغب بها من الكلمات . قد يشير أحدكم إلى نفسه بأنه بطل لا يهم قلمه سوى الحق . ربما وجد ذلك الشخص ، لكنه من المؤكد ليس أنا . فأنا أخاف حتى من الجدران ، وما نفع كلمتي التافهة إذا كانت ستنزل العقاب بأخي على سبيل المثال . لدي ذلك الرقيب الداخلي الغير شريف الذي يقص من الكلمات أجمل معانيها ومن الألوان أكثرها إشعاعاً لذا أحاول في أكثر الأحيان أن أخرج من هذه الدائرة التي يعمل مقصي بها فيقص ما أكتبه حول المجتمع والدين والسياسة والعلم أي كل ما أكتبه عن الحياة .


كل ذو عاهة جبار ، وأنا من الذين ولدوا بهذه العاهة – المقص – لذا ألجأ إلى كتابة نفسي مرات بالورد وأخرى بالألم والوجد . أبتكر قصص الحب ، وأحقق النجاح وأدعو لبطولات لا تتم من خلال السيف . أتحدث عن خوفي وهزيمتي وأعنيكم بها . أتحدث عن السعادة والحياة فتسعدون بينما يكون الاكتئاب ونوبات الذعر يطارداني من زاوية لأخرى .


عن ماذا نكتب ؟ نكتب أحياناً عن أنفسنا التي هي أنفسكم . عن أحلامنا التي هي أصلاً أحلامكم لكننا لا نتجرأ في الوصول إلى النهاية . لأننا لو ناقشنا الموضوع من كل أوجهه لاستيقظ مقصنا الذي يغفو عندما نكتب بحروف سوريالية ويستيقظ عندما تصبح عربية .


هل نمتنع عن الكتابة وقد خلقنا لها ؟ لا نجيد غيرها . ماذا نفعل ؟ كيف نزيل تلك المقصات ليرحل قلمنا إلى الحرية الفكرية ، ويكون لنا أسلوب كتابة وأسلوب تفكير .




لو توقفنا عن الكتابة لم يعد أمامكم شيء تتمتعون به، لأننا نكتب الموسيقى والرسم والغناء والحب . سنكتب نعم . لكننا قد نكون جبناء بعض الشيء . عن نفسي فإنني ربما لا أكون جبانة بقدر ما أنا خجولة عندما أقول الحقيقة . علي أن ألف وأدور كثيراً حتى يصلكم بعضها . لا أرى هذا عيباً فأقلام العالم كلها لا تساوي حياة إنسان بريء ، والحقيقة قد تودي أحياناً بحياته . لذا فإنني أعدكم أن أكتب لكم صفحاتي السوريالية المجردة أحياناً بحروفها الملونة كي يبقى للكتابة مكان نجتمع فيه بمحبة وعشق للحروف حتى إن كانت تكعيبية أو تجريدية أو سوريالية .


نادية خلوف ارسال نانسي


الأربعاء، 10 نوفمبر 2010

المواويل







في كلِّ يومٍ أعزفُ وأغني المواويلَ . اخترتُها عنواناً لكلِّ حياتي في زمنٍ كانَ للموالِّ أنصارٌ. يستمعُ إليه الناسُ بإنصاتٍ قبلَ أن يعبّروا عن النشوةِ التي تعتمرُ في قلوبِهم في نهايةِ الموال . في ذلك الزمن اخترتُ المواويلَ عنواناً لي . تحدثتُ بها عن الوطنِ . عن الزمنِ . عن الحبِّ والأمل . لكنّها كانت بلونٍ واحدٍ باهتٍ لا طعمَ لهُ . تُعزفُ على آلةٍ حزينةِ مملوءةٌ بالأنينِ . لم أدرسْ فنون العزفِ والغناء . وكنت أيضاً لا أعتقد أنّ الرقصَ لغةٌ يمكنُ من خلالها التعبير. لذا أتتْ الكلماتُ والألحانُ على نمط نسماتِ قريتِنا المعبقةِ برائحة الترابِ . المبللةِ بدموعِ النساء . مواويلي رغمَّ تعدُّدِ أغراضِها ربما كانتْ مخصّصةً فقط للبكاء .


على الشواطئِ القريبةِ . في الجهة الأخرى من الزمنِ . كانت تنعبُ الغربان . تأكلُ الفتاتَ . تبتعدُ عن الماءِ حيثُ النوارسُ تدوسُ فوق الأمواجِ . تلمعُ كالفضّةِ تحتَ ضوءِ الشمسِ . عيونُها تتّجهُ نحوَ الماء أو السماء . النوارسُ ليست معجبةً بنفسها لأنّها خلقتْ لتمشيَ فوق الماءِ، بينما الغربان تنعبُ ، وكلما علا صوتُها صفقتْ لنفسها بأجنحتِها قائلة : يا لروعتنا ! نحن طيورُ النغم والغناءِ .


من نايٍّ ملقى قربَ القصبِ المزروعِ على ساقيةِ ماء . انطلقَ صوتٌ شجيٌّ اعتقدتُ أنّهُ قادمٌ من الحلم . أغمضتُ عينيَّ للحظةٍ . سمعتُ من نغماته؛ صوتَ معلمتي . طفولتي . نشيد وطني. علمي الذي ضممتُه يوماً إلى صدري. عنونتُ به كلّ أوراقي و دفاتر. سجلتُه رمزا يعيشُ فيَّ وفي خواطري . تذكرتُ تلكَ الرؤوسَ الخضراءَ من القصب قبلَ أن تصبحَ ناياً كيف كنا نسحبُها من أمّها ، ونصنعُ منها صفارة . بعد فترةٍ تتجددُ الرؤوسُ كأنّنا لم نقتلعْها . كانتْ تشكلُ لنا الدهشةَ عندما تزمِّرُ منذُ ولادتها. فكيف بها بعد اكتمالِ نضجها وتحولها إلى نايٍّ يئِّن على وقع نغمات الحياةِ؟



الزمنُ يمضي . أحلمُ بالقصبِ الأخضرِ ، لكنّني ابتعدتُ كثيراً ، فلا ناياً لا قصباً ، ولا حياةَ لمن تنادي . الوطنُ نامَ هناكَ على أعتابِ مدرستي . قرّرتُ اليومَ أن أغيِّرَ ألحانَ مواويلي . كلماتُها . هويتُها . أرغبُ أن تكونَ نابعةً منّي، ولي فتلك التي تحدثتُ عنها لم تكنْ في الحقيقة تخصُّني . كانتْ مخزونةً في ذاكرتي. هي كلماتُ أمّي وجدّتي . ألحانُ أبي وجدّي . حداءُ الرعاة في بوادينا ، بينما أكتافهم ترتجفُ من البرد. يحدّثون الطبيعةَ. يشكون لها عذاباتَهم . اعتقدتُ للحظةِ أنّ المواويلَ لي. الزمنَ زمني . لم أدركِ الحقيقةَ إلا بعد أن سخرَ الزمنُ من قلة حيلتي . لم يكتبْ عني ولو كلمةً واحدة . لم ينبثْ ببنت شفة ، مع أنّني كنتُ أربّتُ على كتفه أحضنُه . عندما مضى. أخرجَ لسانَه لي ، وهزَّ كتفيه .


الزمنُ الآنَ يتّهمُني . يقولُ ليس لك تاريخٌ معي . سطورُك مسروقةٌ . أسماؤك مزوَّرة . عواطفُك مزيفة ، وكلُّ حكاياتك من الوهمِ . أنتِ من غرّرَ بي . ليس أنا من فعلَ ذلك بكِ . لم تقولي في مواويلِك أنكِ صلبتِ المسيح . قتلتِ الحسين . قطعتِ الرؤوس . وأدتِ البنات . رجمتِ . جلدتِ. نحرتِ البشرَ كالبعير . آثمةٌ أنت في كل حكاياتكِ ومواويلك . سأطردُكِ إلى زمن آخرَ يعرفُ كيفَ يعلّمُك الدروسَ أكثر مني . الزمنُ يرغبُ أن يصلبَني وأنا أنادي الربَّ قائلةً : اغفرْ له يا أبتِ . دعْه يرحلُ فطالما انتظر موتي . كانَ يحلم أن يزفّني إلى خيمةِ عزاء كبطلةٍ مقتولةٍ. كي يضعَ صورتي على صدرِه . يقولُ فيَّ كلماتِ التأبين شعراً ونثراً وغناء . طالبني بالموتِ لأكون من أبطاله . جلبَ غربانه إلى الخيمةِ قبل أن يغتالَني لينعبوا ويصفقوا بأجنحتهم السوداء . أرادهم أن يشهدوا على قهري . يرقصوا على قبري .


ما هذا الهذيان ؟ إنّني أندبُ حظي كأنّها نهايةُ العالم . اعذروني نسيتُ نفسي . مالي وما للزمنِ والمواويل العتيقة ؟ لن أكتبَ . لن أعزفَ بعد اليوم . سأحترفُ الرقصَ . المراقصُ تعجُّ بالطهرِ . تنحني الهاماتُ أمام كل راقصة تبجيلاً . قصتُها تكتبُ في قلوبِهم . في المراقصِ يجتمعُ جمالُ الجسد مع الروح . يصبح الراقصون كالملائكة . لا أتحدّثُ طبعاً عن مراقصي التي هي بريئةٌ من الجمالِ وحتى من الرقص .


أرقصُ اليومَ حكايتي معَ الخوفِ والانكسار في رقصاتٍ شرقيةٍ . يرتجفُ من الصقيع خصري . أصطنعُ ابتسامةً كي تنحني لي هاماتٍ ليست مرئيةٍ. أرى البابَ يفتحُ على مصراعيه قربي يقولُ لي هاتفٌ : هيا . ارم دفاترَك التي تحملينها . باتت عتيقةً . ادخلي من وسطِ البوابةِ . مراقصُ الدهرِ الجديدةِ في انتظاركِ . ستعلّمُك الرقصَ . الرحمة بالنفس . ألوانُها مثل ألوان الشفق . أنفاسُها من قلب الرياح ، لكنها بطعم السكّرِ والتفّاح . دخلتُ للتوِّ من أول باب . لابدّ أن تفتحَ كلّها بالتدريج . سأرقصُ هنا في مدخل الباب الأول . كي تبدأ الحياة ، وتزهرُ الأشجار . الوقتُ لن يطولَ . لن يطولَ . الحبُّ ، والزهرُ موجودٌ في كلّ الفصول .



دخلتُ من بواباتِ زمني الجديدة أجري . أفرجتُ عن تلك الطفلةِ في صدري . قلتُ للزمن : هل تسابق ؟ وافقَ . نحنُ منذُ اللحظةِ على حلبةِ الحياة نجري . أسبقُه مراتٍ . أحياناً يسبقُني . أستعيدُ قوتي . لا شيءَ أخافُهُ فلا غربانَ تنتظرُ ، ولا أكفَّ تصفّقُ . فقط سباقٌ صامتٌ بيني وبين الزمن . يسجّلُ كلَّ نقاط قوَّتي وضعفي . اليوم فقط عرفت ماذا يعني أن يكون الزمنُ زمني . المواويلُ لي . بعدَ أن أصبحتُ أغني وأعزفُ وأكتبُ كلَّ الأشياءِ رقصاً على أنغامٍ راقصةٍ !






على أرض الواقع



عليكَ بالمشيِ البطيءِ . حركْ ساقيكَ إلى الأمامِ . إلى الأمامِ . تابعْهما بذهنك كأنك لا ترى أحداً، ثم ضعْ قدمكَ على أرضِ الواقعِ - اعني تخيلْ - هذهِ ليستْ كلماتٌ فقط. وليستْ دراسةٌ اجتماعيةٌ . إنها بعضُ أفكارِ التأملِ الذي سادَ في العالم أخيراً ، وبخاصة العالم الغربي ، والتي تعتمدُ في أساسها على رياضة اليوغا الروحية أو من ثقافات أخرى شرق آسيوية . في البدءِ كانتِ اليوغا من ضمن الممارسات الدينيةِ ، ثم تحولتْ إلى صرعةٍ عالميةٍ للمؤمنينَ والعلمانيينَ على السواءِ ، وأخيراً دخلتْ مجالَ الطبِّ البديلِ . يقولُ الأطباءُ : أنها تساعدُ على علاج الأمراض عن طريقِ عمليةِ التنفسِ وإيهامِ العقلِ الباطنِ بما سيفعلُهُ . هي بالأساسِ علاجٌ للعقلِ والجسدِ ، أو لمتاعبِ الروحِ اليوميةِ ، لأن التركيزَ على الأمورِ الجيدةِ يبعدُ الأفكارَ السلبيةَ والتي هي سببٌ أساسيٌ للتوترِ ولكلِّ أمراضِ العصرِ .كانَ التأمل عوناً لكثيرِ من الناسِ . لكنَّهُ فشلَ معَ البعضِ لأنهم لم يستطيعوا إخراجِ الطاقةِ السلبيةِ من داخلهم . ويقولُ من يؤمنُ بهذه الفلسفةِ . بأن إزالتَها يلزمه تدريبٌ مستمرٌ للسيطرةِ على العقلِ . لكن في كلمةٍ موجزةٍ : إنَّ عمليةَ التأملِ عملية تحتاجُ للصبرِ والتعودِ .






تأملاتي :


لا أخفيكمْ سراً أنني مرهقةٌ من الحياةِ . أرغبُ في وضعِ حد لكثيرٍ من المتاعب الجسديةِ والروحيةِ عندي مثل: القلقُ . الخوف . نوبات الذعر . و تمويلِ آخر الشهرِ . كلُّ هؤلاءِ يزورونني في كلِّ ليلةٍ . رغبتُ أن أطردَهم جميعاً من حياتي وشرعتُ في تطبيقِ قوانينِ التأملِ . بدأتُ أعالجُ عقلي أولاً . نصحَتني المدربةُ : البدءُ بالتخيلِ من أجل أن يكونَ الوضعُ في طريقهِ إلى التحسنِ . بدأتُ عمليةَ التأملِ العقلي كما طلبتْ المدربةُ . عليَّ أن أتصورَ الأماكنَ والحالاتِ من خلالِ حواسي كما أنهُ عليَّ تخيل الروائحِ والأصواتِ . كلُّ ذلكَ وأنا مغمضةُ العينينِ . طبعاً لابد من الانصياع للأوامر .


قالتْ لي : انظري إلى تلك الصورةِ على الجدارِ استخدمي جملةً واحدةً "أنا سعيدةٌ ". بعد أسبوعٍ من التدريبِ أصيبتْ مدربتي بالاكتئابِ لأنَّ الأماكنَ التي تخيلتُها والروائحَ أثرتْ عليها بشكلٍ سلبيٍ .


قالتْ لي : الطاقةُ السلبيةُ تُعدي أسرعَ من الإيجابيةِ . لقد فكرتِ بأشياءَ سلبيةٍ . سألتُها : ومن أينَ أتتْ ؟


أجابتْ : منكِ . كلُّ أماكنُك وروائحُك ليس فيها سوى طاقةٍ سلبيةٍ .


- ما ذنبي؟ أليسَ هي من قالَ : أنه يجبُ أن أتخيلَ الأماكنَ . هذه هي أماكني !


التأملُ العقليُّ جلبَ لي الأحزانَ .


قالوا: إنني أحتاجُ لتأملٍ عاطفيٍ للحصولِ على دعمٍ لإدارةِ الإجهادِ بالتركيزِ على الحاضرِ مع ضبطِ تلك المشاعر السلبيةِ في طريق إزالتها . بدأنا العمليةَ معاً- بضعةُ أشخاصٍ - نعمْ . بدأنا من الحاضرِ كي ننسى الماضي . ركزتُ كلَّ تفكيري في الحاضرِ . بكيتُ بشدةٍ ، وفعلَ مثليَ الجميعُ .


قالَ المدربُ البديلُ: ما بكم ؟


قلتُ لهُ : نعيشُ الحاضرَ ! تعاطفَ معنا . جلسَ جلسةً تأمليةً والدموعُ تنهمرُ من عينيهِ . طاقتُنا السلبيةُ انتقلتْ إليهِ . أوكلَ أمرَنا إلى غيرِه ريثما يعالجُ نفسَهُ . أدخلنا المدربُ الجديدُ ضمن مجموعةٍ كبيرةٍ ، من أجلِ دعمِنا معنوياً .



بدأنا من جديدٍ بطريقةٍ جديدةٍ نستعملُ فيها أغنيةً من جملةٍ واحدةٍ تقولُ كلماتُها : " نحنُ سعداءَ " نغنيها معاً بعدها نمسكُ هواتفَنا النقالة ونمثِّلُ أننا نضحكُ مع صديقٍ لنا كان المدربُ يعلمُنا وهو يضحكُ فعلاً . بعد أن ننتهيَ من تمارينِ التنفسِ والضحكِ نكتبُ على أوراقِنا .


في الصفحةِ الأولى نقولُ : نحن بخيرٍ سنحققُ إنجازاتَنا.


وفي الصفحة الثانيةِ: ندونُ الواقعَ كما هوَ .


فعلنا كلَّ ما طُلِبَ منَّا . طلبنا صفحاتِ إضافيةِ لتدوينِ الواقعَ خلال شهرٍ ، لكنَّ الموضوعَ فشلَ لا أعرفُ لماذا؟ مع أننا فعلْنا كلَّ شيْ. تنفسنا بعمقٍ . ُقمنا بعمليةِ مسحٍ لأجسامِنا . تخيلنا خلالَها الحرارةَ داخلَ أجسامنا وخارجِها ، وخلالَ تمثيلِ عمليةِ الضحكِ على الهاتفِ سمعنا أحدهُم قد بدأَ في النحيبِ ثمَ تبعَهُ الآخرونَ. الطاقاتُ لدى كلُّ الذين اشتركوا معي هي سلبيةٌ انتقلت إلى المدربينَ .

آخرُ العلاجِ الكيّ ! انتقلنا إلى مدربٍ آخرَ . قال : ليصنعْ كلٌ منكم تعويذتَهُ الخاصة سواءَ كانتْ دينيةً أو علمانيةً . يرددُها دائماً في سرِّهِ . عملت تعويذتي . كانت " بدي أمي . بدي أبكي " اعتقدتُ أنها أفضلَ تعويذةٍ في العالمِ . قلدني التلامذةُ بعضهم قالَ " أريدُ أبي لأحاسبُهُ لأنهُ جلبني إلى الدنيا " بقيَ شيءٌ واحدٌ لم نفعلْْه هو المشي ببطءٍ مع التركيزِ على حركةِ الساقينِ والقدمينِ من أجلِ أن نشعرَ بأننا نضعُ قدمَنا على أرضِ الواقعِ . فعلنا ذلك بأمر منه – أعني المدرب- رأينا هُ يضربُ نفسَه لأنَّنا مشينا إلى الخلفِ وليسَ إلى الأمامِ . لكنَّنا تركناهُ يبكي ويضربُ نفسَهُ مُحتجينَ على أسلوبِهِ وعدم خبرته في التدريبِ . نحنُ فعلاً كنا نضعُ قدمَنا على أرضِ الواقعِ ! ! !

نادية خلوف من نانسي

الجمعة، 5 نوفمبر 2010

يوميات

كنت أتسائل دائما ما الذي يدعو أبي الى إنجاب هذا العدد من الأولاد؟ هل لأن وسائل منع الحمل ممنوعة في الشريعة؟ أو هي الرغبة في تكثير الأولاد المؤمنين على افتراض أن الآباء سيكونون مثل أبيهم في الإعتقاد؟



أو هو شيء مرتبط بذهنية الرفض المتأصلة فينا؟ ففي ثقافتنا السائدة تبرز نظرية المؤامرة في الكثير من نواحي الحياة، وقضية تحديد النسل واحدة منها، فعادي أن تسمع الكثير يقول إن الأعداء (يمكن ان يكونوا الغرب الكافر أو الحكومة أو الخصوم المذهبيين) يحاولون إقناعنا بتحديد النسل لأجل إضعافنا والسيطرة علينا!


كانت تراودني كل هذه الإحتمالات، وذات يوم حصل أخي الأكبر الذي كان متزوجا على وظيفة، ففرض عليه أبي أن يسلمه كل راتبه الشهري، على أن يدفع اليه أبي مصروفه ومصروف زوجته اليومي. إنها الرغبة في التملك مؤيدة بالحديث القائل (الولد و مايملك لأبيه)!

الخميس، 4 نوفمبر 2010

كن بحريا


لقد امتلئت سماواتي بالغيوم

أريد أن أمطر, هل تستطيع تحمل أمطاري الثقيلة ؟

أريد ان أتكلم بل أصرخ , أريد اخبار الجميع بعواصف البحر

لما بدأت في أول يوم لم أكن أفكر في نهايته

في اليوم الذي عاهدت ,لم أكن أعرف سيأتي يوما يكسر عهدي

عصف البحر و أخرج صراخه من أعماق أمواجه الهائجة

أنهى عقد الاخوة بينه وبين عشقه المزعوم أبدي

أهديته من عمري من حياتي و أهدر جميع ممتلكاتي

لقد راودتني أحلامي الجميلة نحو السكون ولونت الشمس

وجناتي,  من زارني هدء من روعه بعد أن صافحني

و لم يراني هو من زعم نفسه سيدا ساد علي بسيادتة

قال أخذها من صومعته بعد أن تعبد أياما و ناجى ربه

لقد توجه بالعلو و خلقه من طينة ليست كباقي ا لعجائن

راني أنزل منه وألعوبة لمتى شاء في ليله و نهاره

سأمطر مطر الشوق لحريتي

سأمطر أمطار المحبة لنفسي

و سانهي عهدي معك لست ما تزعم نفسك أن تكون

سترى انني بحرية و ستريد ان تسبح في بحري

و أثور عليك

تحركك أمواجي و تضرب عقلك النائم بصخور ساحلي الواسع

كن بحريا ان أردت اللحاق بي

كن بحريا

الاثنين، 25 أكتوبر 2010

الولد وما يملك

عدة أسباب تؤثر سلبا على تحديد النسل:العامل الديني: فأكثر وسائل منع الحمل إما محرمة أو مستكرهة قريبة من التحريم، بل إن الدين يحث على كثرة النسل لأنه مصدر قوة للأمة (أباهي بكم الأمم).العامل الثقافي: الخوف من التغيير لأنه يقود الى المجهول، و لأنه مخالف لما عليه الآباء والأجداد الذي نرى فيهم القدوة. 3- نظرية المؤامرة: فالأعداء يسعون الى تقليل عددنا وتغيير مانحن عليه لأجل إضعافنا.العامل المادي: فالولد بعد أن يكبر ويعمل يمكن أن يمثل دخلا إضافيا للأب। عندما حصل أخونا الأكبر الذي كان متزوجا على وظيفة فرض عليه أبي أن يسلمه كل راتبه الشهري، ويدفع اليه أبي مصروفه ومصروف زوجته اليومي! لعلنا نرجع قناعة الآباء بمصادرة جهود أولاهم الى عادات متوارثة ولكنها لاشك موافقة للحديث القائل (الولد و مايملك لأبيه).