الخميس، 11 نوفمبر 2010

عند ما نجامل







قد تكون الحياة مسرحاً كما قال شكسبير . مادام المسرح لنا ، ونحن الممثلون. علينا أن نؤدي الدور . لكن ما هو دورنا على هذا المسرح الذي هو لنا ؟ تتعدد الأدوار . بالنسبة لي : لو خيرت لكنت غنيت أغنية جميلة عن الحب تمثل حالة حقيقية أعيشها في تلك اللحظة فتأسر الجمهور بصدقها . لكنني لم أغنها ولم أعد قادرة على ذلك . أتدرون لماذا ؟ سأقول لكم : كنت مجاملة من الدرجة الأولى للتخلف . كيف ؟ كنت بكل بساطة مزيفة . أردت أن يصفق لي جمهور مزيف مثلي فرض أفكاره . أردت أن تكون صورتي لامعة أمامه - أعني التخلف - لذا خسرت نفسي قبل كل شيء ، وانتهى دوري على المسرح . بت بعدها مغتربة ومتغربة عن نفسي والمجتمع . لم أغني أغنيتي . لم يصفق لي أحد . أعطيت حياتي ثمناً له. و " له" هذه تعني التخلف دائماً . فعلت ذلك كي لا يضعني على قائمته السوداء وأفوز بغمزة رضا منه . . لذا حزمت حقائبي فيما بعد . هربت من نفسي أولاً ومنه ثانياً .


قد تسألون : ماذا خسرتِ من مجاملة ما تسمينه التخلف ؟ كان لك وزن واعتبار . حتى لو عاد الأمر بك إلى الماضي ماذا كنت ستفعلين ؟ لقد فات الأوان . لكن أقول لكم : أنني أحببت أن أكون أنثى تسمع كلمات الغزل . مطربة تجيد الغناء . كاتبة لأفلام تمثل في السينما ، وأحضر العرض الأول فيها . أسمعكم تقولون : ومن أنت ؟ أقول لكم : إنني من رائحة عشتار . من عصر كانت النساء فيه آلهة . إنني أنثى رغبت في ان تبقى كذلك على مدى الأيام . لكن مجاملتي جعلت مني شبه أنثى . لم أعترف بنفسي أبداً ، كي لا يغضب مني " هو " وبذلك تسوء سمعتي معه . لذا حزمت حقائبي على أمل النسيان . عندما أنسى لابد أن أعود إلى طفولتي . أشتري فستاناً جميلاً أقف فيه على مسرح مدرسة بعيدة ، لكنها نظيفة . تحيط بي فتيات كالملائكة . أغني أغنيتي . يصفق لي الجمهور . أكون سعيدة ثم أنتقل إلى الشباب بعد أن أنحني لجمهوري بتواضع وفرح الأطفال . .


الجميع يرغب بمسرح وجمهور وثوب أو ربما بذلة جميلة . يرغب في أن يقول كلمة شكراً محيياً جمهوره . لكن الموضوع ليس في الرغبة أو الأمنية . الموضوع برمته مرهون بثقافتنا ونظرتنا إلى من يتفوق علينا بأداء مسرحي على مسرح الحياة . قد أكون في الماضي اكتسبت ثقافة الجمع الذي أنتمي إليه ، والذي لا يجوز أن أبتعد عن أفكاره ، لأنني أكون بابتعادي هذا قد خالفت ضمير التخلف .وحتى إن لم


أكتسبها لن يكون لي إلا ما يريده " هو " . في لحظة عتاب بيني وبينه . تجاوز على كرامتي كثيراً. قررت أن أخونه . لذا أردت أن أبدأ مرحلة جديدة من التآمر عليه . كي أفوز بالابتعاد عنه . وأعود إلى أصالتي حيث أنني أشعر أنني مملوءة بالإضاءة والعطاء . لكن لا طريق أمامي سوى المؤامرة . هكذا تربيت !


. هو يعرفني لم تكن حياتي لتخفى عنه . ضاق ذرعاً بي . احتج على الخيانة بعد أن رباني سنوات العمر كله. يطالب بحقه علي في الاعتراف بالجميل والتعويض عن رعايته لي .



أعرف جيداً أنني وقعت في الفخ . فخ الخيانة التي يستحق فاعلها الموت . لذا لابد من محكمة ميدانية استثنائية لفرض العقوبة علي . من يومها وأنا أنتظر بفارغ الصبر هذه العقوبة كي أنتهي من الموضوع ، وأصبح حرة مهما كانت العقوبة . "حتى الموت حرية في بعض الأحيان ، " لكنه رحم بي . فقط جردني من بركاته . هذا ما أخجل تواضعي وجعلني أسعى مرة أخرى لإرضائه . عقدنا صفقة جديدة . ترك لي حرية التعبير . من يومها قررنا استبدال اسمه بأسماء أخرى ليس لها معنى مثل شرف . كرامة ، وأسماء كثيرة يمكن ابتكارها حسب المناسبة . من يومها وهو يقدم لي الشكر والامتنان كل يوم على تحسين صورته و اسمه ، وتقديمه من جديد . تصوروا : أنني وقفت إلى جانبه عندما أصبحت النساء تقتل تحت اسم جريمة الشرف . هكذا أنا لي وجهان . أحدهما يرغب في الحرية . في أن أكون أنثى يخطفها فارس بحصان ولو كان أسود . إلى حامية للتخلف مبررة له قتل النساء على يديه .


الحياة مسرحنا . لن نقدم أدوارنا عليه بعد أن نغادرها . سيقدمها من يأتون بعدنا سيوجهون لنا التهمة بأننا كنا ممثلين في مسرح دمى ليس إلا .


أسأل نفسي اليوم : لماذا قضيت سنوات عمري كلها أبحث عن نفسي ولا أجدها في هذا المكان ؟ لكن من أين لي أن أعرف ذلك بينما أجلس في ظلام نفسي أناجيها كي تفك عني الكرب ؟ قد تضيق بنا المساحات ، وتتعبنا الأحلام ، لكن المجاملة فن تستطيع من خلاله قول ما ترغب في قوله بأسلوب لطيف تصل معه فكرتك ورسالتك إلى الآخر ، وليس أن تقع في أحضانه في زواج ليس فيه تطليق . لذا اكتشفت أنني لم أكن مجاملة له بل وقعت في أحضانه . لكن للأسف لن يكون طلاق بيننا ! ! !
نادية خلوف ارسال نانسي

حرية القلم

هناك محرمات مفروضة علينا في التفكير . عندما نكتب لابد أن يعمل مقص عقلنا الداخلي ، وليس مقص الرقيب . فنصنف ما نفكر بكتابته لنرى أن الممنوعات هي القاعدة العامة . مقص الرقيب سهل . لأنه يتخصص بسياسة محطة ما ، أو دولة ما ويكون لك الحرية بعدها . لكن محرمات عقلنا الداخلي كثيرة . لست أنا فقط من أخاف . كلكم مثلي خائفون مهزومون تكتبون على أنه القلم الحر ، لكنه القلم المحرم المحظور . ليس من قبل رقيب خارجي بل من عقلكم الباطن الذي أرهبه موضوع الرقيب والرقابة فأعطى لنفسه الحق برقابة ذاتية أو ربما إلغائية لقلمه هو . البعض من الذين يكتبون بقلم حر مقصوص بمقص عقله الباطن يفهم ما أتحدث عنه فهو يكتب من حيث لا يدري . يسترضي ذلك الشخص أوذاك النظام . هو فعلاً عبر عن ذاته ، لكن ذاته تلك تمسك بالمقص وهي تنتظر كلماته لتقول له : هذه احذفها من أجل أن لا يتأذى أهلك هناك، وتلك الكلمة عدلها كي لا يفهم الشخص المعني أنها تتناوله - لكنها تتناوله ! – احذف وكفى .







هناك برمجة لغوية عصبية . برمجة ذاتية ، وبرمجة عربية . البرمجة العربية هي أنجحها ، لأنها تمكنت من إقناع الفرد أن عليه أن يقص من ذهنه كل ما يظهر هويته . تصوروا وصل بنا الحد أنه ربما لم نعد تحتاج للسجون لأن كل إنسان أصبح رقيباً على نفسه، ومقصاً لما ترغب بها من الكلمات . قد يشير أحدكم إلى نفسه بأنه بطل لا يهم قلمه سوى الحق . ربما وجد ذلك الشخص ، لكنه من المؤكد ليس أنا . فأنا أخاف حتى من الجدران ، وما نفع كلمتي التافهة إذا كانت ستنزل العقاب بأخي على سبيل المثال . لدي ذلك الرقيب الداخلي الغير شريف الذي يقص من الكلمات أجمل معانيها ومن الألوان أكثرها إشعاعاً لذا أحاول في أكثر الأحيان أن أخرج من هذه الدائرة التي يعمل مقصي بها فيقص ما أكتبه حول المجتمع والدين والسياسة والعلم أي كل ما أكتبه عن الحياة .


كل ذو عاهة جبار ، وأنا من الذين ولدوا بهذه العاهة – المقص – لذا ألجأ إلى كتابة نفسي مرات بالورد وأخرى بالألم والوجد . أبتكر قصص الحب ، وأحقق النجاح وأدعو لبطولات لا تتم من خلال السيف . أتحدث عن خوفي وهزيمتي وأعنيكم بها . أتحدث عن السعادة والحياة فتسعدون بينما يكون الاكتئاب ونوبات الذعر يطارداني من زاوية لأخرى .


عن ماذا نكتب ؟ نكتب أحياناً عن أنفسنا التي هي أنفسكم . عن أحلامنا التي هي أصلاً أحلامكم لكننا لا نتجرأ في الوصول إلى النهاية . لأننا لو ناقشنا الموضوع من كل أوجهه لاستيقظ مقصنا الذي يغفو عندما نكتب بحروف سوريالية ويستيقظ عندما تصبح عربية .


هل نمتنع عن الكتابة وقد خلقنا لها ؟ لا نجيد غيرها . ماذا نفعل ؟ كيف نزيل تلك المقصات ليرحل قلمنا إلى الحرية الفكرية ، ويكون لنا أسلوب كتابة وأسلوب تفكير .




لو توقفنا عن الكتابة لم يعد أمامكم شيء تتمتعون به، لأننا نكتب الموسيقى والرسم والغناء والحب . سنكتب نعم . لكننا قد نكون جبناء بعض الشيء . عن نفسي فإنني ربما لا أكون جبانة بقدر ما أنا خجولة عندما أقول الحقيقة . علي أن ألف وأدور كثيراً حتى يصلكم بعضها . لا أرى هذا عيباً فأقلام العالم كلها لا تساوي حياة إنسان بريء ، والحقيقة قد تودي أحياناً بحياته . لذا فإنني أعدكم أن أكتب لكم صفحاتي السوريالية المجردة أحياناً بحروفها الملونة كي يبقى للكتابة مكان نجتمع فيه بمحبة وعشق للحروف حتى إن كانت تكعيبية أو تجريدية أو سوريالية .


نادية خلوف ارسال نانسي


الأربعاء، 10 نوفمبر 2010

المواويل







في كلِّ يومٍ أعزفُ وأغني المواويلَ . اخترتُها عنواناً لكلِّ حياتي في زمنٍ كانَ للموالِّ أنصارٌ. يستمعُ إليه الناسُ بإنصاتٍ قبلَ أن يعبّروا عن النشوةِ التي تعتمرُ في قلوبِهم في نهايةِ الموال . في ذلك الزمن اخترتُ المواويلَ عنواناً لي . تحدثتُ بها عن الوطنِ . عن الزمنِ . عن الحبِّ والأمل . لكنّها كانت بلونٍ واحدٍ باهتٍ لا طعمَ لهُ . تُعزفُ على آلةٍ حزينةِ مملوءةٌ بالأنينِ . لم أدرسْ فنون العزفِ والغناء . وكنت أيضاً لا أعتقد أنّ الرقصَ لغةٌ يمكنُ من خلالها التعبير. لذا أتتْ الكلماتُ والألحانُ على نمط نسماتِ قريتِنا المعبقةِ برائحة الترابِ . المبللةِ بدموعِ النساء . مواويلي رغمَّ تعدُّدِ أغراضِها ربما كانتْ مخصّصةً فقط للبكاء .


على الشواطئِ القريبةِ . في الجهة الأخرى من الزمنِ . كانت تنعبُ الغربان . تأكلُ الفتاتَ . تبتعدُ عن الماءِ حيثُ النوارسُ تدوسُ فوق الأمواجِ . تلمعُ كالفضّةِ تحتَ ضوءِ الشمسِ . عيونُها تتّجهُ نحوَ الماء أو السماء . النوارسُ ليست معجبةً بنفسها لأنّها خلقتْ لتمشيَ فوق الماءِ، بينما الغربان تنعبُ ، وكلما علا صوتُها صفقتْ لنفسها بأجنحتِها قائلة : يا لروعتنا ! نحن طيورُ النغم والغناءِ .


من نايٍّ ملقى قربَ القصبِ المزروعِ على ساقيةِ ماء . انطلقَ صوتٌ شجيٌّ اعتقدتُ أنّهُ قادمٌ من الحلم . أغمضتُ عينيَّ للحظةٍ . سمعتُ من نغماته؛ صوتَ معلمتي . طفولتي . نشيد وطني. علمي الذي ضممتُه يوماً إلى صدري. عنونتُ به كلّ أوراقي و دفاتر. سجلتُه رمزا يعيشُ فيَّ وفي خواطري . تذكرتُ تلكَ الرؤوسَ الخضراءَ من القصب قبلَ أن تصبحَ ناياً كيف كنا نسحبُها من أمّها ، ونصنعُ منها صفارة . بعد فترةٍ تتجددُ الرؤوسُ كأنّنا لم نقتلعْها . كانتْ تشكلُ لنا الدهشةَ عندما تزمِّرُ منذُ ولادتها. فكيف بها بعد اكتمالِ نضجها وتحولها إلى نايٍّ يئِّن على وقع نغمات الحياةِ؟



الزمنُ يمضي . أحلمُ بالقصبِ الأخضرِ ، لكنّني ابتعدتُ كثيراً ، فلا ناياً لا قصباً ، ولا حياةَ لمن تنادي . الوطنُ نامَ هناكَ على أعتابِ مدرستي . قرّرتُ اليومَ أن أغيِّرَ ألحانَ مواويلي . كلماتُها . هويتُها . أرغبُ أن تكونَ نابعةً منّي، ولي فتلك التي تحدثتُ عنها لم تكنْ في الحقيقة تخصُّني . كانتْ مخزونةً في ذاكرتي. هي كلماتُ أمّي وجدّتي . ألحانُ أبي وجدّي . حداءُ الرعاة في بوادينا ، بينما أكتافهم ترتجفُ من البرد. يحدّثون الطبيعةَ. يشكون لها عذاباتَهم . اعتقدتُ للحظةِ أنّ المواويلَ لي. الزمنَ زمني . لم أدركِ الحقيقةَ إلا بعد أن سخرَ الزمنُ من قلة حيلتي . لم يكتبْ عني ولو كلمةً واحدة . لم ينبثْ ببنت شفة ، مع أنّني كنتُ أربّتُ على كتفه أحضنُه . عندما مضى. أخرجَ لسانَه لي ، وهزَّ كتفيه .


الزمنُ الآنَ يتّهمُني . يقولُ ليس لك تاريخٌ معي . سطورُك مسروقةٌ . أسماؤك مزوَّرة . عواطفُك مزيفة ، وكلُّ حكاياتك من الوهمِ . أنتِ من غرّرَ بي . ليس أنا من فعلَ ذلك بكِ . لم تقولي في مواويلِك أنكِ صلبتِ المسيح . قتلتِ الحسين . قطعتِ الرؤوس . وأدتِ البنات . رجمتِ . جلدتِ. نحرتِ البشرَ كالبعير . آثمةٌ أنت في كل حكاياتكِ ومواويلك . سأطردُكِ إلى زمن آخرَ يعرفُ كيفَ يعلّمُك الدروسَ أكثر مني . الزمنُ يرغبُ أن يصلبَني وأنا أنادي الربَّ قائلةً : اغفرْ له يا أبتِ . دعْه يرحلُ فطالما انتظر موتي . كانَ يحلم أن يزفّني إلى خيمةِ عزاء كبطلةٍ مقتولةٍ. كي يضعَ صورتي على صدرِه . يقولُ فيَّ كلماتِ التأبين شعراً ونثراً وغناء . طالبني بالموتِ لأكون من أبطاله . جلبَ غربانه إلى الخيمةِ قبل أن يغتالَني لينعبوا ويصفقوا بأجنحتهم السوداء . أرادهم أن يشهدوا على قهري . يرقصوا على قبري .


ما هذا الهذيان ؟ إنّني أندبُ حظي كأنّها نهايةُ العالم . اعذروني نسيتُ نفسي . مالي وما للزمنِ والمواويل العتيقة ؟ لن أكتبَ . لن أعزفَ بعد اليوم . سأحترفُ الرقصَ . المراقصُ تعجُّ بالطهرِ . تنحني الهاماتُ أمام كل راقصة تبجيلاً . قصتُها تكتبُ في قلوبِهم . في المراقصِ يجتمعُ جمالُ الجسد مع الروح . يصبح الراقصون كالملائكة . لا أتحدّثُ طبعاً عن مراقصي التي هي بريئةٌ من الجمالِ وحتى من الرقص .


أرقصُ اليومَ حكايتي معَ الخوفِ والانكسار في رقصاتٍ شرقيةٍ . يرتجفُ من الصقيع خصري . أصطنعُ ابتسامةً كي تنحني لي هاماتٍ ليست مرئيةٍ. أرى البابَ يفتحُ على مصراعيه قربي يقولُ لي هاتفٌ : هيا . ارم دفاترَك التي تحملينها . باتت عتيقةً . ادخلي من وسطِ البوابةِ . مراقصُ الدهرِ الجديدةِ في انتظاركِ . ستعلّمُك الرقصَ . الرحمة بالنفس . ألوانُها مثل ألوان الشفق . أنفاسُها من قلب الرياح ، لكنها بطعم السكّرِ والتفّاح . دخلتُ للتوِّ من أول باب . لابدّ أن تفتحَ كلّها بالتدريج . سأرقصُ هنا في مدخل الباب الأول . كي تبدأ الحياة ، وتزهرُ الأشجار . الوقتُ لن يطولَ . لن يطولَ . الحبُّ ، والزهرُ موجودٌ في كلّ الفصول .



دخلتُ من بواباتِ زمني الجديدة أجري . أفرجتُ عن تلك الطفلةِ في صدري . قلتُ للزمن : هل تسابق ؟ وافقَ . نحنُ منذُ اللحظةِ على حلبةِ الحياة نجري . أسبقُه مراتٍ . أحياناً يسبقُني . أستعيدُ قوتي . لا شيءَ أخافُهُ فلا غربانَ تنتظرُ ، ولا أكفَّ تصفّقُ . فقط سباقٌ صامتٌ بيني وبين الزمن . يسجّلُ كلَّ نقاط قوَّتي وضعفي . اليوم فقط عرفت ماذا يعني أن يكون الزمنُ زمني . المواويلُ لي . بعدَ أن أصبحتُ أغني وأعزفُ وأكتبُ كلَّ الأشياءِ رقصاً على أنغامٍ راقصةٍ !






على أرض الواقع



عليكَ بالمشيِ البطيءِ . حركْ ساقيكَ إلى الأمامِ . إلى الأمامِ . تابعْهما بذهنك كأنك لا ترى أحداً، ثم ضعْ قدمكَ على أرضِ الواقعِ - اعني تخيلْ - هذهِ ليستْ كلماتٌ فقط. وليستْ دراسةٌ اجتماعيةٌ . إنها بعضُ أفكارِ التأملِ الذي سادَ في العالم أخيراً ، وبخاصة العالم الغربي ، والتي تعتمدُ في أساسها على رياضة اليوغا الروحية أو من ثقافات أخرى شرق آسيوية . في البدءِ كانتِ اليوغا من ضمن الممارسات الدينيةِ ، ثم تحولتْ إلى صرعةٍ عالميةٍ للمؤمنينَ والعلمانيينَ على السواءِ ، وأخيراً دخلتْ مجالَ الطبِّ البديلِ . يقولُ الأطباءُ : أنها تساعدُ على علاج الأمراض عن طريقِ عمليةِ التنفسِ وإيهامِ العقلِ الباطنِ بما سيفعلُهُ . هي بالأساسِ علاجٌ للعقلِ والجسدِ ، أو لمتاعبِ الروحِ اليوميةِ ، لأن التركيزَ على الأمورِ الجيدةِ يبعدُ الأفكارَ السلبيةَ والتي هي سببٌ أساسيٌ للتوترِ ولكلِّ أمراضِ العصرِ .كانَ التأمل عوناً لكثيرِ من الناسِ . لكنَّهُ فشلَ معَ البعضِ لأنهم لم يستطيعوا إخراجِ الطاقةِ السلبيةِ من داخلهم . ويقولُ من يؤمنُ بهذه الفلسفةِ . بأن إزالتَها يلزمه تدريبٌ مستمرٌ للسيطرةِ على العقلِ . لكن في كلمةٍ موجزةٍ : إنَّ عمليةَ التأملِ عملية تحتاجُ للصبرِ والتعودِ .






تأملاتي :


لا أخفيكمْ سراً أنني مرهقةٌ من الحياةِ . أرغبُ في وضعِ حد لكثيرٍ من المتاعب الجسديةِ والروحيةِ عندي مثل: القلقُ . الخوف . نوبات الذعر . و تمويلِ آخر الشهرِ . كلُّ هؤلاءِ يزورونني في كلِّ ليلةٍ . رغبتُ أن أطردَهم جميعاً من حياتي وشرعتُ في تطبيقِ قوانينِ التأملِ . بدأتُ أعالجُ عقلي أولاً . نصحَتني المدربةُ : البدءُ بالتخيلِ من أجل أن يكونَ الوضعُ في طريقهِ إلى التحسنِ . بدأتُ عمليةَ التأملِ العقلي كما طلبتْ المدربةُ . عليَّ أن أتصورَ الأماكنَ والحالاتِ من خلالِ حواسي كما أنهُ عليَّ تخيل الروائحِ والأصواتِ . كلُّ ذلكَ وأنا مغمضةُ العينينِ . طبعاً لابد من الانصياع للأوامر .


قالتْ لي : انظري إلى تلك الصورةِ على الجدارِ استخدمي جملةً واحدةً "أنا سعيدةٌ ". بعد أسبوعٍ من التدريبِ أصيبتْ مدربتي بالاكتئابِ لأنَّ الأماكنَ التي تخيلتُها والروائحَ أثرتْ عليها بشكلٍ سلبيٍ .


قالتْ لي : الطاقةُ السلبيةُ تُعدي أسرعَ من الإيجابيةِ . لقد فكرتِ بأشياءَ سلبيةٍ . سألتُها : ومن أينَ أتتْ ؟


أجابتْ : منكِ . كلُّ أماكنُك وروائحُك ليس فيها سوى طاقةٍ سلبيةٍ .


- ما ذنبي؟ أليسَ هي من قالَ : أنه يجبُ أن أتخيلَ الأماكنَ . هذه هي أماكني !


التأملُ العقليُّ جلبَ لي الأحزانَ .


قالوا: إنني أحتاجُ لتأملٍ عاطفيٍ للحصولِ على دعمٍ لإدارةِ الإجهادِ بالتركيزِ على الحاضرِ مع ضبطِ تلك المشاعر السلبيةِ في طريق إزالتها . بدأنا العمليةَ معاً- بضعةُ أشخاصٍ - نعمْ . بدأنا من الحاضرِ كي ننسى الماضي . ركزتُ كلَّ تفكيري في الحاضرِ . بكيتُ بشدةٍ ، وفعلَ مثليَ الجميعُ .


قالَ المدربُ البديلُ: ما بكم ؟


قلتُ لهُ : نعيشُ الحاضرَ ! تعاطفَ معنا . جلسَ جلسةً تأمليةً والدموعُ تنهمرُ من عينيهِ . طاقتُنا السلبيةُ انتقلتْ إليهِ . أوكلَ أمرَنا إلى غيرِه ريثما يعالجُ نفسَهُ . أدخلنا المدربُ الجديدُ ضمن مجموعةٍ كبيرةٍ ، من أجلِ دعمِنا معنوياً .



بدأنا من جديدٍ بطريقةٍ جديدةٍ نستعملُ فيها أغنيةً من جملةٍ واحدةٍ تقولُ كلماتُها : " نحنُ سعداءَ " نغنيها معاً بعدها نمسكُ هواتفَنا النقالة ونمثِّلُ أننا نضحكُ مع صديقٍ لنا كان المدربُ يعلمُنا وهو يضحكُ فعلاً . بعد أن ننتهيَ من تمارينِ التنفسِ والضحكِ نكتبُ على أوراقِنا .


في الصفحةِ الأولى نقولُ : نحن بخيرٍ سنحققُ إنجازاتَنا.


وفي الصفحة الثانيةِ: ندونُ الواقعَ كما هوَ .


فعلنا كلَّ ما طُلِبَ منَّا . طلبنا صفحاتِ إضافيةِ لتدوينِ الواقعَ خلال شهرٍ ، لكنَّ الموضوعَ فشلَ لا أعرفُ لماذا؟ مع أننا فعلْنا كلَّ شيْ. تنفسنا بعمقٍ . ُقمنا بعمليةِ مسحٍ لأجسامِنا . تخيلنا خلالَها الحرارةَ داخلَ أجسامنا وخارجِها ، وخلالَ تمثيلِ عمليةِ الضحكِ على الهاتفِ سمعنا أحدهُم قد بدأَ في النحيبِ ثمَ تبعَهُ الآخرونَ. الطاقاتُ لدى كلُّ الذين اشتركوا معي هي سلبيةٌ انتقلت إلى المدربينَ .

آخرُ العلاجِ الكيّ ! انتقلنا إلى مدربٍ آخرَ . قال : ليصنعْ كلٌ منكم تعويذتَهُ الخاصة سواءَ كانتْ دينيةً أو علمانيةً . يرددُها دائماً في سرِّهِ . عملت تعويذتي . كانت " بدي أمي . بدي أبكي " اعتقدتُ أنها أفضلَ تعويذةٍ في العالمِ . قلدني التلامذةُ بعضهم قالَ " أريدُ أبي لأحاسبُهُ لأنهُ جلبني إلى الدنيا " بقيَ شيءٌ واحدٌ لم نفعلْْه هو المشي ببطءٍ مع التركيزِ على حركةِ الساقينِ والقدمينِ من أجلِ أن نشعرَ بأننا نضعُ قدمَنا على أرضِ الواقعِ . فعلنا ذلك بأمر منه – أعني المدرب- رأينا هُ يضربُ نفسَه لأنَّنا مشينا إلى الخلفِ وليسَ إلى الأمامِ . لكنَّنا تركناهُ يبكي ويضربُ نفسَهُ مُحتجينَ على أسلوبِهِ وعدم خبرته في التدريبِ . نحنُ فعلاً كنا نضعُ قدمَنا على أرضِ الواقعِ ! ! !

نادية خلوف من نانسي

الجمعة، 5 نوفمبر 2010

يوميات

كنت أتسائل دائما ما الذي يدعو أبي الى إنجاب هذا العدد من الأولاد؟ هل لأن وسائل منع الحمل ممنوعة في الشريعة؟ أو هي الرغبة في تكثير الأولاد المؤمنين على افتراض أن الآباء سيكونون مثل أبيهم في الإعتقاد؟



أو هو شيء مرتبط بذهنية الرفض المتأصلة فينا؟ ففي ثقافتنا السائدة تبرز نظرية المؤامرة في الكثير من نواحي الحياة، وقضية تحديد النسل واحدة منها، فعادي أن تسمع الكثير يقول إن الأعداء (يمكن ان يكونوا الغرب الكافر أو الحكومة أو الخصوم المذهبيين) يحاولون إقناعنا بتحديد النسل لأجل إضعافنا والسيطرة علينا!


كانت تراودني كل هذه الإحتمالات، وذات يوم حصل أخي الأكبر الذي كان متزوجا على وظيفة، ففرض عليه أبي أن يسلمه كل راتبه الشهري، على أن يدفع اليه أبي مصروفه ومصروف زوجته اليومي. إنها الرغبة في التملك مؤيدة بالحديث القائل (الولد و مايملك لأبيه)!

الخميس، 4 نوفمبر 2010

كن بحريا


لقد امتلئت سماواتي بالغيوم

أريد أن أمطر, هل تستطيع تحمل أمطاري الثقيلة ؟

أريد ان أتكلم بل أصرخ , أريد اخبار الجميع بعواصف البحر

لما بدأت في أول يوم لم أكن أفكر في نهايته

في اليوم الذي عاهدت ,لم أكن أعرف سيأتي يوما يكسر عهدي

عصف البحر و أخرج صراخه من أعماق أمواجه الهائجة

أنهى عقد الاخوة بينه وبين عشقه المزعوم أبدي

أهديته من عمري من حياتي و أهدر جميع ممتلكاتي

لقد راودتني أحلامي الجميلة نحو السكون ولونت الشمس

وجناتي,  من زارني هدء من روعه بعد أن صافحني

و لم يراني هو من زعم نفسه سيدا ساد علي بسيادتة

قال أخذها من صومعته بعد أن تعبد أياما و ناجى ربه

لقد توجه بالعلو و خلقه من طينة ليست كباقي ا لعجائن

راني أنزل منه وألعوبة لمتى شاء في ليله و نهاره

سأمطر مطر الشوق لحريتي

سأمطر أمطار المحبة لنفسي

و سانهي عهدي معك لست ما تزعم نفسك أن تكون

سترى انني بحرية و ستريد ان تسبح في بحري

و أثور عليك

تحركك أمواجي و تضرب عقلك النائم بصخور ساحلي الواسع

كن بحريا ان أردت اللحاق بي

كن بحريا

الاثنين، 25 أكتوبر 2010

الولد وما يملك

عدة أسباب تؤثر سلبا على تحديد النسل:العامل الديني: فأكثر وسائل منع الحمل إما محرمة أو مستكرهة قريبة من التحريم، بل إن الدين يحث على كثرة النسل لأنه مصدر قوة للأمة (أباهي بكم الأمم).العامل الثقافي: الخوف من التغيير لأنه يقود الى المجهول، و لأنه مخالف لما عليه الآباء والأجداد الذي نرى فيهم القدوة. 3- نظرية المؤامرة: فالأعداء يسعون الى تقليل عددنا وتغيير مانحن عليه لأجل إضعافنا.العامل المادي: فالولد بعد أن يكبر ويعمل يمكن أن يمثل دخلا إضافيا للأب। عندما حصل أخونا الأكبر الذي كان متزوجا على وظيفة فرض عليه أبي أن يسلمه كل راتبه الشهري، ويدفع اليه أبي مصروفه ومصروف زوجته اليومي! لعلنا نرجع قناعة الآباء بمصادرة جهود أولاهم الى عادات متوارثة ولكنها لاشك موافقة للحديث القائل (الولد و مايملك لأبيه).

الحاجة والرغبة

المصدر: ألف الكاتبة نادية خلوف المرسلة نانسي

ولدنا برغباتٍ غريزيةٍ تحكمُنا .جميعُها هامةٌ .ومن أهمِّها غريزةُ الجنسِ .

هو رغبةٌ وحاجةٌ ضروريةٌ من أجلِ استمرارِ الحياةِ ، وهنا نحن نرغبُ بالجنسِ ونحتاجُهُ أيضاً .لكن في لحظةٍ ما .تتطورُ رغبتنا هذهِ لتصبحَ شهوةً لا نستطيعُ إيقافَها . فتسيطرُ علينا ونكونُ عبيداً لها . لا نتمكنُ من ضبطِها . إنَّها الشهوةُ التي سيطرتْ علينا ، ونظرنا إليها وكأنّها حاجةٌ لنا . وبابُ الشهواتِ لا حدودَ لهُ فليسَ هي شهوةُ الجنسِ فقط ، بل شهوةُ المالِ والسلطةِ والجمالِ وعدِّدْ ما شئتَ من الشهواتِ التي تعرفُها والتي لا تعرفُها ، ويجري العملُ على تسويقِها في مرافقَ تستطيعُ الحصول عليها بأساليبَ متنوعةٍ ، وإذا عرفنا أنهُ لا يمكنُنا القضاءَ على الرغباتِ . إنّه على الأقلِّ يجبُ أن لا ندعَها تخضِعُ عقولَنا لعبوديتِها .

قد يكونُ الفارقُ بسيطاً بين الحاجةِ والرغبةِ يشبهُ خيطاً رفيعاً يفصلُ بينهما . كلُّ البشرِ لهم حاجاتٌ قد تكونُ أساسيةً مثلَ : المأكلِ والمشربِ والمسكنِ . هي حاجاتٌ يسعى الجميعُ لتحقيقِها . لكنّها في النهايةِ متوفرةٌ في الطبيعة . يمكنُ الحصول عليها في أغلبِ الأحيانِ . يوجدُ احتياجاتٌ خاصةٌ لكلِّ شخصٍ غيرُ تلكَ الاحتياجاتِ الأساسيةِ .تختلفُ هذه الاحتياجاتُ من شخصٍ لآخر. قد يشعرُ أحدُ الأشخاص أنّه لم يشعرُ بالاكتفاءِ ويرغبُ في التعويضِ لنفسِهِ من أجلِ أن يشعرَ بالسعادةِ . يذهبُ للنوادي والسهراتِ الماجنةِ . يحاولُ الشعورَ بالسعادةِ . قد يقودهُ السيرُ وراءَ هذهِ الرغباتِ إلى الهاويةِ فيقعُ في دائرةِ إدمانٍ ما كالكحولِ والمخدراتِ والجنسِ ، وبدلاً من أن يحصلَ على السعادةِ . يحصلُ على الأرقِ والقلقِ وعدمِ الارتياح .

أحياناً نعتقد أنّ ميولَنا التي تطفو على السطحِ من أجل الترفِ والعبثِ بحثاً عن الاكتفاءِ تزدادُ । وفي لحظةٍ ما نراها قد طغتْ على الرغبةِ في تلبيةِ الحاجاتِ الأساسيةِ الهامةِ في الحياةِ منطلقةً بشكلٍ متصاعدٍ لتصبحُ حاجاتنا تتجاوزُ المعقولُ تصبحُ رغباتٌ جامحةٌ تدمرُ داخلنا । لو رأينا الأطفالَ كيفَ يصبحون سعداءَ . هم يكتفون بالغذاءِ وبعض العنايةِ من الأم. ليس من أجلِ أن يكونوا نجوماً في فيلم سينمائيٍّ. بل لأن الاكتفاءَ بالحاجاتِ الأساسيةِ أشعرهم بالفرحِ والسعادةِ . هم لا يسألون إن كان لديهم ثروةٌ . لا يبحثون عن حاجاتٍ أخرى . الفرقُ بين الحاجةِ والرغبةِ يشبهُ الفرقَ بين الحبِّ والجنسِ ، فالحبُّ والجنسُ حاجةٌ يجب أن يشعرَ الإنسانُ بالاكتفاءِ منهما . إذا كان الجنسُ هو تعبيرٌ عن الحبِّ بين رجلٍ وامرأة فإنّه ليس دائماً يكونُ الحبُّ ممثلاً بالجنسِ . قد لا يحتوي الجنسُ في بعضِ الأحيانِ على مشاعرَ حقيقيةٍ . إنما يدورُ ضمنَ دائرةِ " المتعةِ الجنسيةِ " التي ليسَ لها في النهايةِ علاقةٌ بالحبِّ .هو فارقٌ كبيرٌ جداً لكنهُ بنفسِ الوقتِ صغيرٌ جداً يفصلُ الاثنانِ. - ذلكَ الخيطُ الرفيعُ - .

جميعُنا لنا حاجاتٌ ورغباتٌ । حاجاتُنا قد يكونُ بإمكاننا تلبيتها ، لكنَّ رغباتِنا لا تشبعُ ، ولا يمكنُنا إشباعَها لأن الرغبةَ تزداد كلما أردنا أن نشبعَها أكثرَ برغبةٍ أكبر। الأمثلةُ كثيرةٌ على ذلك ليس في الحبِّ فقط . بل في جميعِ ميادينِ الحياةِ . لنفترضَ أننا نريدُ الذهابَ إلى متجرٍ ما ، وفيهِ رأينا عروضاً مغريةً شعرنا أنّها كلُّها تلزمنا – أي نحتاجها – لكن عندما اشتريناها . لم نستعملْ إلا بعضاً منها . أغلبُها لم يكنْ لازماً لنا . أي رغبْنا بحاجاتٍ كثيرةٍ لا نحتاجُها كلُّها . مدمنٌ على الكحولِ قالَ: "لم أكنْ أشربُ من قبل . لكنّني شعرتُ في لحظةٍ أنَّ هذا ما أحتاجُهُ تماماً " هل فعلاً كانَ يحتاجُ لهذا ؟ إنهُ ذلكَ الفرقُ البسيطُ بينَ الحاجةِ والرغبةِ . معَ أنَّ الرغباتِ قد تكونُ محفزةً لنا في بعضِ الأحيانِ من أجلِ التغيراتِ الضروريةِ التي تساعدُنا على تحقيقِ أحلامنا . إلا أنها أحياناً تقودُنا إلى الدمار .

الرغباتُ موجودةٌ عندَ الإنسانِ والحيوانِ । الحيواناتُ رغباتُها توجهُها إلى النجاحِ للتلاؤمِ مع البيئةِ ، لكنَّها غرائزُ موجهةٌ مسبقاً . أما الإنسان فإنّهُ يستطيعُ أن يوجهَ غريزتهُ للنجاحِ وإنّ عقلَ الإنسانِ الباطنِ إذا زرعَ الإنسانُ فيهِ فكرةً يصبحُ عملُهُ تحتَ تأثيرِ قوةٍ عاقلةٍ خفيةٍ توجهُهُ لإنجازِ ما يريدُ من الرغباتِ والأهدافِ والطموحاتِ. لماذا لا نستعملُ هذهِ الطريقة ونوحي لعقلِنا الباطنِ بأفكارٍ نطمحُ أن نحققَها في هذهِ الدنيا ؟

نحنُ بشرٌ لذا فإن رغباتِنا أحياناً تُنسينا مراكزَنا الاجتماعيةِ والعائلية وننجرفُ بخفةٍ وراءَ جلسةٍ ممتعةٍ فيها تعليقٌ ونكتةٌ . نجدُ المبررَ لأنفسِنا كي لا ننتزعَها من لحظة مجونٍ . نحن نبرُر لأنفسِنا ما تفعلُه أو بمعنى آخر نبررُ رغباتَنا . . نعتبرُ أّنها كانت في لحظةً ما ضروريةً لنا . إذا انفتحتْ بوابةُ الرغباتِ ستكون الكارثةُ لأنّ الرغباتِ ستكونُ سيفاً مسلطاً على رؤوسِنا . حيثُ سنسيرُ وراءَ شهوةِ السلطةِ والجنس والمالِ . ننسى أنفسِنا مسجونةً داخلَ هذهِ الرغباتِ ، ثمَّ يغزونا الألم وأمراضُ العصرِ التي تسببَ بها جعلُ أنفسِنا عبيداً لشهواتِنا ! !

نحنُ بحاجةٍ إلى الكثيرِ من الأشياءِ . الهواءُ والماءُ والأشياء الأساسية الأخرى . لكن البعض منا يشعرُ بحالةِ عوزٍ شديدٍ . كلّنا نريدُ الدعمَ العاطفيَّ مثلاً . لكنَّ أغلبَنا يكتفي بالدعمِ الموجودِ، بينما هناكَ قلةٌ تحتاجُ لدعمٍ أكبر . ويكون لديهم العوز لذلكَ

إنّنا نحلمُ بالمالِ والسلطةِ والجنسِ وأن يكونَ كلُّ شيءٍ نرغبُ بهِ بين أيدينا . نتمسكُ بمتعنا المشروعةِ وغيرُ المشروعةِ . دونَ أن نميِّزَ بينها . وبهذا قد ننسى حاجاتنا

الحقيقيةِ । الذي يميزُ الحاجةَ عن الرغبةِ هو داخلُنا فقط . إذا وضعنا يدنا على قلوبِنا ونظرنا بصفاءٍ روحاني وعقليٍّ إلى ما نقدمُ عليهِ من أقوالٍ أو أفعالٍ، سنستطيعُ التمييزَ بين الأشياء . علينا أن نتعلمَ كيفَ نعيشُ معَ رغباتِنا دونَ أن نلجمَها كي نتمكنَ من تحقيقِ أحلامنا ، ودونَ أن نتركَ لها الحريةَ لتجمحَ وتقفزَ إلى أماكنَ قد تسببُ لنا هزيمةً ودماراً . الرغبةُ ولدت فينا . لا يمكنُ إلغاؤها ، ولا يوجدُ فائدةَ من إلغائها . بالعكسِ تماماً . علينا أن نعترفَ برغباتِنا أمامَ أنفسِنا . أن لا نخجلَ منها . ولا نحولُها لشهوةٍ تسيطرُ على عقولِنا فنكونُ عبيداً لها ! ! !

الأحد، 24 أكتوبر 2010

مختارات من Paulo Coelhoe 2

دور القطة في التأمل

عندما كتبت " فيرونيكا تقرر الإنتحار" والذي كان كتابا عن الجنون ، كنت أسأل نفسي: كم من الأشياء التي اعتدنا عليها ضرورية بالفعل؟ وكم من تلك الأشياء هي - ببساطة - سخيفة؟ لماذا نلبس ربطة العنق؟ لماذا تتحرك الساعات في اتجاه معين؟ إذا كانت حياتنا مبنية على النظام العشري (decimal system = الأعداد تبدأ من الصفر الى التسعة) فلماذا يكون اليوم 24 ساعة وكل ساعة 60 دقيقة؟

في الحقيقة, كثير من العادات التي نذعن لها اليوم ليس لها أسس حقيقية، سوى إننا إذا قررنا مخالفتها فسوف يعتبرنا الناس " مجانين" أو "متهورين" . و هكذا, سوف تستمر المجتمعات في اختلاق عادات تصبح مع مرور الوقت لامعنى لها، و لكنها تبقى مفروضة علينا و لو لم نفهم معناها.

أورد لكم قصة من اليابان توضح مقصودي:

في أحد معابد المايوكا البوذية " mayukagi" كان استاذ التأمل يملك قطة, و كانت هي حبه الحقيقي في الحياة. و لكي يسعد برفقتها أطول وقت ممكن, كان يحتفظ بها الى جانبه أثناء دروس التأمل.

صباح ذات يوم، وجد ذلك الأستاذ العجوز ميتا، فأخذ التالي له في السن محله في التدريس. و لما تسائل الرهبان " ماذا نفعل بالقطة؟" أجابهم الأستاذ الجديد بأنه قرر الإحتفاظ بها في دروس التأمل إجلالا لأستاذه العظيم. بعد سنين, ماتت القطة، و لكن الرهبان اعتادوا على وجودها في جلسات التأمل، فجلبوا قطة أخرى لتحل محلها! و مع مرور الوقت, انتشر خبر اشتراك القطة في دروس ذلك المعبد الكبير، و عمل به الرهبان في معابد أخرى. لقد ساد اعتقاد أن حضور القطة يساعد على إنجاح التأمل.

بعد جيل من تلك الحادثة، ظهرت بعض التنظيرات لأهمية وجود القطة في جلسات التأمل. و كتب بروفيسور في الجامعة مقالا يدلل فيه على التأثير الإيجابي لحضور القطة في زيادة التركيز و إضعاف الأفكار السلبية عند المتأمل، وقد لاقى ذلك المقال قبولا لدى الأوساط الجامعية!

بعد قرن، أصبحت القطة جزءا ضروريا في دروس التأمل البوذي في تلك المنطقة. الى أن جاء أستاذ كانت لديه حساسية تجاه شعر القطط، فقرر إبعاد القطة عن الدروس اليومية مع الطلاب. فما الذي حصل؟ أنكر عليه الجميع، لكنه أصر على موقفه. ولأنه كان أستاذا قديرا فقد تمكن من تطوير مهارات الطلاب رغم غياب القطة. ولأن سائر الرهبان قد ملوا أيضا من عبء العناية بالقطط وإطعامها، فقد بدأ التخلص منها تدريجيا في المعابد.

بعد مرور عشرين سنة, انتشرت مقالات ثورية تؤكد إمكانية نجاح التأملات بدون حضور القطط. وبعد مائة سنة أصبحت المعابد خالية منها تماما، ورجعت الأمور الى حالتها الطبيعية. ولكن لماذا تطورت تلك الحادثة البسيطة لتأخذ هذا المدى؟ نستخلص من القصة أن السبب هو: لم يكن أحد يسئل بحيادية: لماذا هذه القطة هنا؟

كم هو عدد الذين يتساءلون بحيادية عن الأشياء في حياتهم؟ لماذا علينا أن نتقيد بهذا السلوك أو ذاك؟ كم من القطط العقيمة نستخدمها في حياتنا اليومية و لكننا لا نجرأ على التخلص منها, فقط لأنه قيل لنا أنها ضرورية لتصبح حياتنا مثمرة؟

لماذا لا نستطيع ابتكار طرق جديدة للسلوك؟

خاص ألف" نادية خلوف"


المرسلة نانسي
الحبُّ ليس من حقِّ النساءِ . هو وقفٌ على الرجالِِ . الرجلُ فقط هو من يقولُ أحبُّكِ. على المرأةِ أن تقبلَ . أن تقبلَ فقط وينتهي الأمرُ . مادامَ يحبُّها عليها أن تكونَ سعيدةً بحبّهِ كائناً من كانَ . إذا ما تكلمتِ المرأة عن الحبِّ ، أو الجنسِ فهي امرأةٌ غاويةٌ أو مغويةٌ تدعو إلى الفسقِ والفجورِ . الكتّابُ والشعراءُ ، ورجالُ الدينِ يتحدثونَ عن الجنسِ والحبِّ . يصفونَهُ بالتفاصيلِ المملّةِ . تفاصيلُ جسدِ المرأةِ بينما هي تغطي عورتَها التي تتمثلُ بكل شيءٍ يخصُّها حتى صوتها . عليها دائماً أن تعلنَ عن فرحتِها لأن رجلاً أحبّها ، وتحكَّمَ بحياتِها كما يشاءُ . لأنَّهُ يحبُّها يمنعُها من الخروجِ . لأنَّه يحبُّها يمنعُها من الدراسةِ ، ولأنّه يحبُّها يسجنُ ذهنّها في ترهاتٍّ ينتقيها متعمداً إلى وقتٍ يتأكدُ فيه أنّها انسحبتْ من الحياةِ كلياً ، ولم يعدْ أمامَها شيءٌ سوى الاقتناعِ بما ربّى عقلَها عليه ، و يساعدُها كي تتوبَ إلى خالقِها بمعنى أن تعيشَ الآخرةَ وهي ما زالت على قيدِ الحياةِ . تسألون عن ماذا تتوبُ ؟ عن كونِها إنسانةٌ خاطئةٌ أحبَّها رجلٌ نبيلٌ ولم تقدِرْ حبَّهُ ! ! حانَ الوقتُ ليحبَّ غيرَها فهي في النهايةِ امرأةٌ لا تستحقُ . . . عليها أن تقبلَ الحقيقةَ . أليسَ من حقِّ الرجلِ أن يحبَّ ما يشاءُ من النساءِ في جميعِ الشرائعِ وجميعِ المعتقدات ؟ أليسَ من حقِّهِ أن يكونَ لهُ ملهمةٌ سواءً كان شاعراً أم شيخاً أو رجل سياسةِ أو سجلْ ما شئتَ من الأسماءِ . فالمرأةُ لا يمكن أن تكونَ ملهمةً عندما تصبحُ بائتةً . ولا بدّ لذلكَ الرجلُ المبدعُ في أيِّ مجالٍ من امرأةٍ طازجةٍ دائماً .


كلُّ الديانات تضعُ الشرائعَ من أجلِ الزواج والطلاقِ وغيرِ ذلك من الأمورِ التي ترتبطُ بالحبّ والحياةِ . أغلبُ الرجالِ من كلِّ الدياناتِ يؤمنون بعلاقاتٍ فيها أكثرُ من مثنى وثلاثٍ ورباع . بل أكثر من ذلكَ بكثيرٍ . عندما توجَّهُ لهم أصابعُ الإتهامِ يبررون ذلكَ بالعلمِ فيقولون طبيعةُ الرجل حيوانيةُ تميلُ إلى التعدد . علينا أن نعودَ إلى علماء النفسِ لنتأكدَ من صحةِ الكلامِ . اليومَ يقولونَ لنا نحنُ نربي أنفسِنا على السيطرةِ على غرائزنا ، وفي غدٍ يناقضون الكلام .ومعَ أنّ كلام الشعرِ والأدبِ في الحبِّ تفوقَ على رأيِّ العلمِ . لكنّ


الحبّ المتوهج اليانع الذي يسمو ويرتفعَ وليسَ ذلكَ الذي يمسُّ ذهنَ المرأةِ وعقلَها . نحنُ لا نحتاجُ للعلم لنعرفَ أنفسنا . بل العلم هو الذي يحتاجُنا ليجرّبَ نظرياتهِ قبلَ أن يطلقَها . لا يعني أنّ ما أقولُه هو نوعٌ من التشدُّدِ ، ولا أدعو الرجلَ أن يكون كاهناً . الجمالُ يأخذُنا جميعاً . ُيبهرُنا نساءً كنّا أم رجالاً . يجعلُنا نتوهجُ بالإبداع . أقولُ صادقةً بأنَّ المرأةَ تعطي الكثيرَ لا لكي يستمرَّ رجلٌ في حبِّها . بل ليستمرَّ في احترامِها . هل تعني الأنوثةُ إفراغُ المرأةُ من محتواها الإنسانيِّ . ولماذا يركعُ الرؤساء على أرضِ معبدِ النساءِ . يعتقدُون أنّه حقٌ طبيعيٌ لهم أن يعيشوا حياتَهم كما يشاءون . معظمُ النساءِ لا ترغبُ أن تعيشَ حياتَها في نفسِّ الطريقةِ الروتينيةِ . المرأةُ ترغبُ بالدفءِ والحنانِ ، وقد تحتاجُ أحياناً عندما تصبحُ مساحاتُها قاحلةً إلى كلماتٍ تعرفُ أنّها ليستْ صادقةً . تريدُ أن تتوهمَ عن عمدٍ أنّ حبّاً صادقاً أو حبّّاً قادماً ، أو حبّّاً آخرَ مازالَ حياً . الرجلُ يعيشُ قصةَ حبّ مع امرأةِ من الواقعِ حتى لو كان متزوجاً ، والمرأةُ تعيشُ نفسَ القصة مع رجلٍ يبتكرُه خيالُها ليس له وجودٌ على أرضِ الواقعِ . رجلٌ مختلفٌ يستطيعُ أن يجعلَها تحترمُ خصوصيتَه عندما يحترمُ خصوصيتَها . المرأةُ لا تقبلُ أبداً إلا أن تكونَ هي الأجملَ والأفضلَ بين النساءِ وهي كذلك فعلاً .



لن نتحدثَ عن تجارةِ الجنسِ التي بدأتْ منذُ القدمِ كنوعٍ من أنواعِ الحبِّ . أصبحتْ هذهِ التجارةَ رائجةً في مجتمعاتِنا العربيةِ أكثر من تجارةِ المالِ بسببِ الظروفِ الاقتصاديةِ . الآن يتربى جيلٌ من النساءِ على بيعِ جسدِه كأمرٍ طبيعيٍّ يعبِّرُ عن تقديرِ الجسدِ بالمالِ . ستصبحُ هذهِ الفكرةُ في المستقبلِ أخلاقيةً وقيمةً اجتماعية ومجال تنافسٍ بين النساءِ . صحيحٌ أن الغربَ تحرّرَ من عقدةِ الجنسِ . وهو بذلك تركَ السوقَ لكلِّ السلعِ ، وتركَ الحريةَ في ممارسةِ الرغبةِ . الرغبةُ تتحكمُ بالإنسانِ في أكثرِ الأحيانِ . لكنَّ الغربَ تركَ الحريةَ لكلِ إنسان في حدودِ القانونِ المعني ، ولكلِّ شخصٍ قانونُه سواءَ من الرجالِ أو النساءِ . للمرأةِ العربيةِ قانونٌ واحدٌ يحكمُها . رغبةُ الرجلِ في حبِّها أو اتهّامِها بشرفِها ، أو قتلِها ، أو جعلها ملهمةٌ المهمُ أن تكونَ ضمنَ دائرةِ رغباتِهِ واليدِ المصفقةِ لهُ في المحافل الاجتماعيةِ


يتحدثُ البعضُ عن جمالِ الجسدِ . عن التحررِ والجسدنة، ومن بين كلماتِه تعرفُ أنّه رجلٌ يحتقر النساءَ . يستعملُ مفرداتِ المرأة الخصوصيةِ ، لتشهرَه في الكتابةِ أو الرسمِ أو الدينِ . كلُّهم يعيشونَ على تلكَ المفرداتِ . هنالكّ قلةٌ من النساءِ ومثلُهم من الرجالِ في وطنِنا يقدرونَ الجمالَ الحقيقي . يتحدثونَ عن الجسدِ بكلماتهم الجميلة التي تسرقُنا لنقرأها أو نسمعَها . بينما البعضُ يتحدثُ عن الجسدِ وجسد المرأة تحديداً كقيمةٍ قابلةٍ للانتهاكِ . فيصفون تفاصيلهم معها . وتشعرُ بالغثيانِ من قيمِ الإنسانِ كيف تدنتْ عند بعضِهم ! ! !


رجالُنا يتحدثونَ في الحبِّ والسياسةِ والدينِ وهم على كلِّ المستوياتِ قادةٌ أبطالٌ . على المرأةِ أن تنحني لهم بإجلالٍ ، ومن ُتحضرُهنَّ المحطاتُ الفضائيةُ من النساءِ . في الغالبِ هنّ نساءٌ متحرراتٌ بالشكل وليس بالمضمونِ . فلن تنطقَ واحدةٌ منهن إلا كما يشاءُ زوجُها ، وعليهِ أن يكون حاضراً معنوياً ولو كان غائباً جسدياً .. من قالَ أنَّ المرأةَ تغارُ ؟ الغيرةُ تنمُّ عن عدم احترام الذاتِ . هي كلمةٌ لا تليقُ بالمرأةِ . علينا أن نقولَ أنّه لدى المرأةِ كبرياءٌ فقط . كبرياءٌ تجعلُها تنظرُ إلى نفسِها بدونيةٍ إن لم تحسمْ أمرَها عندما ُتستغَّلُ في الحبّ أو الحياة . لذا يثورُ في داخلِها الوحشُ المجروحُ ليتصارعَ معَ إنسانٍ رقيقٍ يحسبُ حساباً لكلِّ الأحبةِ في حياتهِ ويهزمُ الوحشُ أمام العاطفةِ الجياشةِ وينامُ في داخلَها ربما إلى الأبدِ .


الرجلُ يغارُ فعلاً من كلِّ الرجالِ الذين يتجاوزونه في الرقيِّ بالمناصبِ أو المالِ . من كلِّ الذينَ يتزوجون أجملَ من امرأتِه حتى لو كانوا أصغرَ منه بأجيالٍ . يريدُ جميعَ النساءَ لهُ . بينما المرأةُ تريدُ رجلاً واحداً . هو الذي قالَ لها أحبُّكِ عندما لم تكنْ تفهمُ ما قالَ ، لكنّها تمسكتْ بكلمتِه على أساسِ أنه رجلٌ ولا يرجعُ عن كلامِهم الرجالُ.


الرجل يغار . نعم . يغارُ من المرأةِ أيضاً . هو منافسٌ لها من الطرازِ الأولِّ وليس في ذلك عيباً ، لكنَّ العيبَ في أن يتهمَها بتهمٍ أخلاقيةٍ عندما يعجزُ عن اللحاقِ بها . مع هذا فإنّني لا أعمِّمُ على النساءِ ، أو الرجالِ . من الرجالِ من يستحقُ الاحترامَ فعلاً أتدرون من هوَ ؟ الرجلُ الإنسانُ . رجلٌ أصابَ امرأتهُ مرضاً عضالاً فرافقَها وكان داعماً لها وطمأنَها أنّه لن تحلَّ في قلبه امرأةٌ أخرى مكانها . الرجلُ يستطيعُ أن يكونَ إنساناً ويظهِرُ إنسانيتِهِ دون خجلٍ . كي يكون حباً وأملاً .. قد تموتُ الزوجةُ أوتختفي لسببٍ من الأسبابِ . لكنّها موجودةٌ في قلبِ وعقلِ من جلبتهم إلى الحياةِ . لا يجوزُ أن يتغزلَ بامرأةٍ أخرى أمامهم ولو كان لها في قلبه مودةً أكثرَ من تلكَ التي رحلتْ عنهُ لسببٍ ما . الزوجةُ تعيشُ في كلِّ الأبناءِ . إنّها إهانةٌ لها أن يتغزلَ بأخرى ، واعتداءٌ على مشاعرَ نبيلةً مستمرَّةً في قلوبِ أحبتِها . قد تسامحُ المرأةُ لو كانت على قيدِ الحياةِ ، لكن لا يسامحُ الأبناء . الأمرُ ينطبقُ على المرأةِ أيضاً مع الفارقِ بالنسبةِ فقط بين الرجالِ والنساءِ . ومع احترامِ حقِّ كلِّ إنسانٍ في خصوصيتِهِ وحريتِهِ الشخصيةِ .


إنه ليس درساً في الأخلاقِ . بإمكاننا أن نستوعبَ كلَّ الحالات . حتى حالاتِ حبِّ المرأة للرجلِ بطريقةٍ خاطئةٍ . الحبُّ الذي يشبهُ التملكَ في بعض الأحيان . لكنّه في المجملِ حبٌ يميلُ إلى العقلِ أكثرَ . يلتزمُ بقوانين داخليةٍ تخصُّ الأنثى التي تحسبُ الأمورَ في داخلِها وتتخلى عن بعضِ رغباتِها طوعاً ، لأنّها ترغبُ أن تقدمَ المزيدَ من الحبِّ للرجلِ وللمجموعةِ التي تخصّهما من الأبناءِ . المرأةُ تغفرُ زلات الرجلِ لأنّها تحبُّه وليسَ لأنّها ضعيفةٌ . هي لا تريدُ أن تخسرَهُ ، فالحياةُ ليست جنساً فقط " على أهميةِ هذا الأخير " إنها تفاعلٌ بين جسدينِ وروحينِ بمنتهى الانسجامِ


كلُّ شيءٍ يتغيرُ في الحياةِ . القيمُ والأخلاقُ والعاداتُ . إلا عاطفةَ الأنثى . الأنثى التي تمنحُ الحبَّ للرجلِ لم تتغيرْ عواطفها منذُ بدءِ الخليقةِ . فمن تمنحُ الغذاءَ من جسدها للأطفالِ . تمنحُ للرجلِ غذاءَ الحبِّ كما تمنحُ الرحمةَ للحياةِ . تعلِّمُ الرجلَ الحضارةَ و العادات . هي المسؤولةُ الأولى عن التربية للنساءِ والرجالِ . كم هي مقصرةٌ المرأة عندنا ! عندما تضيعُ في الركضِ وراء أخطاءِ من كان يحبُّها وتنسى أنّها قد أتتْ بثمار هذا الحبِّ أطفالاً يكتبونَ على اسمهِ في السجلاتِ . هديةُ حبٍّ للرجلِ . هي تعرفُ جيداً أنّه لا يلزمُ سجلٌّ ولا أوراقٌ كي تخلِّدَ نفسَها . لأنّها تعيشُ في قلوبِ أحبتها . .. الأنثى خالدةُ في قلوبِ النساءِ والرجالِ .


ماذا عن كونيّ أنثى ؟ لا أقولُ أنّني متميزةٌ في أي مجالٍ . أقولُ أنّني أعتزُّ بأنوثتي . بنتائجِ الحبِّ الذي ملكَ قلبي يوماً على صعيدِ الحياةِ . لن أسمحَ لنفسي إلا أن أكون أنثى على أكملِ وجهٍ . منحتُ الحبَّ و الحياةَ لحبيبٍ. وأتى الحبُّ ثمارَه أطفالاً أجمل من الحياةِ . ماذا سأقولُ لأطفالي عمن أحببتُ ؟ سأقولُ لهم كان حباً لن يتكررَ مرةً أخرى على أيةِ حالٍ . لن أعوِّدَ مسامعَهم على اسم رجلٍ آخر يدخلُ حياتَهم . هو الانتصارُ للحبِّ أو التشددُ لا فرقَ . علينا أن نعطي أنفسَنا فرصاً على مدارِ الحياةِ . ومن حقِّ الجميعِ أن يفعلَ ما يعتقدُ أنّهُ صحيحٌ . لكن بالنسبة لي أرغبُ أن تبقى صورةُ الحبِّ تشبهُ حكاياتِ الأساطيرَ . كي يخلدُها التاريخُ وتعبِّرُ عن حالةِ الإنسانِ عندما يسمو . أرغبُ دائماً في السموِّ لأعيشَ حالةً وجدانيةً بمنتهى الرقةِ اسمها " الجمالُ " سأكتبُ سيرةَ حبي دونَ خجلٍ . ستكونُ فريدةً في الألفاظِ والمعانيَ والمشاعر . تنتقلُ إلى الأبناءِ . يتعلمونَ منها أكبرَ درسٍ في الحياةِ عنوانُهُ . الحبُّ والإخلاصُ والإنسان . ثمَّ يسجلونها على أوراقِِ الزمن . فتكونُ صورةً حقيقيةً للعشقِ الذي يمثلُ ذلكَ الإلهامُ الصوفي عندما يتواصلُ الذهنُ مع السماءِ في جلسة روحانية تملأ الفراغَ الداخلي برائحةِ السموِّ والطهرِ . سيعيشُ ذلكَ الحبُ في داخلي ليعبّرَ عني كأنثى تعتزُ بأنوثتِها . بطهارتِها . بجسدِها . تفهمُ الحبَّ وتعرفُ أنّهُ من أجملِ اللغاتِ . تتفهمُهُ كما نظرَ إليها الحبيبُ يوماً وكما قال: أنني امرأةُ وحيدٌ في هذا العالمِ فهمتْ قدسيةُ الحبِّ وجمالَه وأكملتْ به دربَها . سيكونُ الحبُ اليومَ لي هو دربٌ للعطاء الروحاني . الإنساني . الاجتماعي . سأكونُ ملهمةً لكلِّ الرجالِ في عصري . يستمدون مني طاقةَ الأنثى التي يرغبونَ فيها لكنّهم يقدِّسون روحَها . سأهبُ نفسي من أجلِ هذا . هو الحبُّ بشكلِهِ الآخرَ يعودُ إليَِ اليومَ. حبُّ الإنسانِ والحياةِ . . . .

السبت، 23 أكتوبر 2010

رمز الحب

المرسلة: نانسي   للكاتبة نادية خلوف


كم أحبكَ ! أنتَ يا منْ زرعتَ في وجداني رمزاً أبدياً للمحبةِ والعشقِ . بل أنتم جميعاً أحبتي من تدعونَ أنفسَكم " بالجنسِ الآخر" إنّكم تمثلونَ لي الأملَ ، وأرى فيكم أبي .أخي . زوجي ، وابني . هل هناكَ أغلى من هؤلاء على قلوبِ المرأةِ ؟ لماذا لا تبادلوني الحبَّ بالحبِّ . أسعى إليكم ، وأقطعُ سنواتٍ من عمرِ ذاكرتي لألتقي بمحبتكم التي أتصورُها تتوقدُ في صدورِكم كمحبتي لكم ، ويضيعُ الحلمُ في غمضةِ عين . أعودُ أجرجرُ أذيالي وأنا أشعرُ بالخيبةِ التي ترتدُّ إلى وجداني، ويتشكلُ ذلكَ العذابُ الأبدي الذي يسكنُني ، لكنهُ لا يغيِّرُ من عصفِ قلبي في الحنينِ إليكم جميعاً على اختلافِ أسمائكم . قد أكونُ مجرد امرأةٍ عابرة ٍ في حياتِكم . امرأةٌ لا يمكنُكم الاستغناءَ عنها لأنّها أصلُ الخصبِ والحياةِ . لماذا لا أجدُ نفسي إذن في حكاياتكُم ؟ تتحدثون عن الحبِّ ، والألمِ . حبُّكم أنتم ،وآلامُكم ، بينما هناكَ امرأةٌ تنتظرُ أن تحدِّثَكم عن حبِّها وألمِها .


ضجيجٌ يصمُّ أذنيَّ ينادي بالحريةِ للمرأةِ . أبحثُ عنها- أعني الحريةَ - في قواميسِ لغتي . لا أجدُ فيها سوى اسمَ جاريةٍ أحبَّها خليفةٌ ، أو عبدةٍ تزوجَها كريم ٌكنوعٍ من الصدقةِ . وربما المرأةُ في غفلةٍ عن هذا . فمن يخضعُ للظلمِ يتعودُ عليهِ ويعتقدُ أنَّ هذه هي الحالةُ الطبيعيةُ في الحياةِ . يقولونَ الشعاراتِ عن الفرحِ والسعادةِ . وأصدقُّ ، فأسعى إليهما وأرى أنّ كلَّ أيامي محكومةٌ بالشقاءِ . أنتم سببُ وجعي و علَّتي . الفرحُ محكومٌ عليه بالموتِ وفقَ شريعتي . والمرأةُ كائنٌ ُيستدعى عندَّ الحاجة . ُيطردُ ساعةَ يشاءُ الرجلُ . ربما بصفعةٍ . ترغبونَ أن تكونَ المرأةَ رجلاً يحملُ السيفَ تارةً ليحاربَ من أجل اللقمةِ ، و تارةً أنثى تجيدُ الدلالَ و الغنجَ و الخفةْ . أصغوا إلي مرةً . الأمرُ سيطالُكم إن لم تسمعوا نصيحتي . أنتم تواجهون أنفسَكم بمواجهتي ، لأنّني أمٌ لكم ، وأختٌ وزوجةٌ وملهمةٌ ، وابنةٌ يحتاجُها أبٌ في يومِ محنةٍ . إذا كانتِ المرأةُ تنكحُ لثلاثٍ . إذن أنتم من فازَ بثروتي . هي أولى الشروطِ لمحبتِكم لي . أيضاً شرطُ أمومتي .

 


في القاعِ تساوتْ أوجاعي معكَ يا نصفي الثاني . مسحتُ دمعكَ من عينيَّ ، ولما ذهبتَ إلى السطحِ نسيتَ ، فكانتْ مصيبتي . أنزعُ إلى الإيمانِ لا من أجلِ مغفرةٍ .


أتدري ؟ لو كان الإلهُ رجلاً محبّاً لأعادني إلى الدنيا صبيةَ تعيدُ التجربةَ بغيرِ تجربةٍ . سيحزنُ عليَّ لأنّني لم أفهمْ أصولَ الحياةِ ولا حتى أصولَ اللعبةِ ، ولا فنَّ العبادةِ . سأزحفُ زاهدةً من الحياةِ اليومَ ، ففيها كانتْ مقبرتي . يقولونَ لي: عودي إلى جحركِ طائعةً . وظيفتُكِ معروفةٌ . من شفاههم يقولون هذا ، وهم يرغبونَ أن أصرَّ على أمرٍ لم أخترْهُ بحريّتي . معَ هذا يقولون : انظروا هي من اختارَ الشقاءَ حتى هذهِ اللحظة . تبتسمونَ في سرِّكم . تعتقدونَ بأنّكم ضحكتُم عليَّ بينما أركضُ من أجلِكم وأجري لا أعرفُ كيفَ يكونُ نهاري وبعضُ ليلي . أنسى أن أرى نفسي في مرآةِ عمري . يضيعُ في حبِّكم سرّي ، وما زلتم تتحاورونَ في أمرِ جسدي وأمري ! .أرغبُ في حريةٍ تأخذُني إلى حدودِ الكونِ . أركضُ بها نحوَ الشمسِ . أغتسلُ من الخطايا والقيودِ تحتَ غيمةٍ تعمِّدُني بأمطارِ الربيعِ . أحلمُ في قفزةٍ تعتقُني . وجهُكَ يبتسمُ لي . يصدِّقُني . ساحةُ رقصٍ بيني وبينكَ تسرقُني . أمي ماتتْ يومَ ولدتُ من الغمِّ . خوفاً مني . من تلكَ القادمةُ إلى الدنيا . خافتْ عليَّ من الخطيئةِ والإثمِ . بصمتِ القبورِ استقبلَني ربعي . مصيبتُهم كانتْ أنثى . الدارُ كانتْ مسكونة برائحةِ الحزنِ والعجزِ . نعم . رأيتُهم. وجوهُهم عابسةٌ . عيونُهم زائغةٌ . كأنّها ليلةُ الحشرِ . صرختُ بهم : إليَّ اتركوا أمري . استمرَّ حزنُهم في وجداني و قلبي، فنشأتُ آثمةً أبداً . بالإثمِ لا بالحبِّ يخفقُ صدري . كرسوا حياتََهم لمراقبتي . من أجلِ الوقوفِ على حالتي . خنتُهم بالسِّرِ . عشقتُ رجلاً أعطيتُه عمري . فقالَ لي ما قالوهُ وأذلّني لأنّهُ في العشقِ عرفَ سّري . نادى المنادي أن خذوها فهي آثمةٌ . لا يليقُ بها سوى الموتِ ، وفي الموتِ جرت حياتي المسكونةِ في عمري . في كلِّ يومٍ يستيقظُ العمرُ مذعوراً يخافُ أن ينبشوا جثتي من القبرِ . فأنا مجردُ خطيئةٍ تتناقلُ الأجيالُ من خطئها النصيحةَ والعبر . إنّني اليومَ أحدِّثُكم . لكنّني غيرُ موجودةٍ من يتحدثُ هو ظلّي .




كيف سيذوبُ الثلجُ عن الجبالِ ؟ كيف ستزهرُ الأرضُ بالورودِ دون أنثى فيها رائحةُ الأرضِ وطعمُ الحياةِ . في عروقِها الحبُّ يجري ؟ غنّتْ لي أمي قبلَ ألفِ عامٍ . كانتْ تهزُ سريري . قالتْ : عمرُك مثلُ عمري . وقهرُكِ من قهري . ليتكِ لم تكوني ! لو ترحلينَ اليومَ ! أنتِ مصيبتي إلى أبدِ الدهرِ ! سوف أُحاسبُ عنكِ إلى يوم الدينِ . سأكونُ السيفَ المسلَّطَ على قلبكِ ، ولستُ الأمّ الحنون . إنّهُ العذابُ معَ القدرِ يجري . هكذا يريدون . لن أستطيعَ مخالفتََهم . وفقَ أوامرِهم سأكونُ . قمتُ من مهدي ثائرةً . صرختُ بهم : لماذا ترموني بالعتمةِ . قلبي يرغبُ بالحياةِ . ما ذنبي إن كنتُ أنثى ؟ من منكم يحاسبُ تفاحةً أو رمانةً لأنَّها لم تُخلقْ فاكهة أخرى . ترسمون لي خارطةَ الذنوبِ . تقولونَ : نحنُ كرماءُ لم نقتلْكِ . وأقولُ لكم : حاولتُ أن أرضيكم . أن أملأَ بالفرحِ لياليكم . لم أطلبْ منكم الحبَّ ، بل الرحمةَ والإنصاف . إنّني بينَ أيديكم . تحدثتُم بإسهابٍ عن اسمي وإثمي . بعثتُم أوهامِكم تنقبُ عن الشرفِ في جسمي . تمنيتُم لي الموتَ أبداً . خجلتُم من تاء التأنيثِ ، ونونِ النسوة . أزيلوها من كتبِ النحوِ والدينِ والتاريخِ ، أليسَ أنتم من كتبَ التاريخَ ، ونسيَ أن يكتبَ اسمي ؟ ضعوا نونَ الإنسانِ بدلاً منها على جسمي . آهٍ منكم ! لماذا تقسونَ عليَّ . قتلتم أجملَ الأشياءِ فيَّ . كنتُ في زمنٍ آلهةَ الحبِّ والخصبِ . شوهتُم كلَّ ملامحي . لن ترضوا مهما فعلتُ لكم . سأهربُ منكم . سأمحو ماضيَّ بممحاتي ...


أرسمُ صورتي على الشمسِ . لن أخجلَ بعد اليومَ من جنسي . سأرحلُ منكم إلى حريةٍ أختارُها . أنتم بعضُ آلامي . سأطلُّ عليكُم في ليلةٍ ظلماءَ قمراً ، كي تشهدوا لي بأنني أنثى .سأرحلُ منكَ يا حبّي كي لا تخجلَ من كلماتي . من عذاباتي ، كي تقدمُني للعالمِ دونَ وجلٍ ، ولا خجلٍ ، كأنثى يحقُ لها ما يحقُّ لكَ . تقولُ للدنيا هي عشقي . هي رفيقتي . صديقتي . أختي . هي ابنتي التي أحبُّها . لن أقتلَها بعدَ اليومِ ومنها لن أخجلَ . إنها في الحياةِ حسّي و أُنسي ! !



الجمعة، 22 أكتوبر 2010

رنا بيت العود - 2-





لقد بدأت أفكاري تطرق وجداني, تطلب من يدي لتكتب قصة الماضي بالرغم من أن ضميري يفضل حكاية الحاضر. سأفتح لكم صفحة من صفحات البوم حياتي..أريد اليوم أن أدخلكم بيتنا لتتعرفوا على عائلتي كما كانت في الماضي. كان البيت مبنيا من الطين و الحشيش بناه جدي و أبي بمساعدة جدتي و عماتي , يرممه كل سنة قبل الشتاء بوضع الطين على المواضع التي تآكلت بسبب الرطوبة والرياح. له مساحة جدا واسعة يحتوي على مخزن كبير تخبئ فيه جدتي القوت السنوي و ممتلكاتها الخاصة و تقفل عليه. لا يدخله أحد سواها و تدخلني معها بعض الاوقات كوني المحبوبة التي كانت تلقبني بالحبوبة و تعلق المفتاح في رقبتها. في جنب مخزن الرئيسة كانت الديوانية العظمي مجلس استقبال الرجال مطلا على النهر, مباشرا للمدخل الرئيسي المخصص لدخول وخروج الرجال دون المرورعلى البيت و مخدراته المسجونات. ثم غرفة لاستقبال ضيوف جدتي فهي رئيسة النساء كونها العمة. ثم غرفة أمي و أبي الزوجان المختلفان في عالم القرية سأقول لكم السبب كونوا معي فلنكمل جولتنا في البيت.. بعدها بقليل زريبة الحيوانات البقر والغنم بيت الكلب الدجاج و البط... ثم غرفة كبيرة مخصصه لتحويل التمر الى دبس, أمامه في وسط الحوش الكبير ياتي موقع الحوض, مغسلة الأيدي الجماعية لاستخدام الجميع. في الطرف الآخر من الحوض قسم خاص لعمتي و عمتها أم زوجها المنسوبة الينا من طرف الجد, زوج عمتي كان عاملا في الكويت و توفي هناك. بعدها أصبح أبي هوالمعيل لاولادها. كنا نخاطب أبناء عمتي الاثنين كاظم وعباس بالأخوة و بناتها الاثنتين منى و حكيمة أخوات.

كان بيتنا في قرية من قرى عبادان الجميلة في زمانها. لقد دمرتها الحرب اللا إنسانية التي استمرت ثمان سنوات بين طماعين و مجرمين يسيطرون على ايران و العراق. كانت عبادان تسمى عروس ايران كونها جمعت البترول , جمال كثرة الخضرة و وجود البحر, سأخصص صفحة فيما بعد لحكاية عبادان فلنواصل في حكاية بيت العود... كان البيت على طرف نهر سمي بنهر العريض لعرضه, تسبح فيه السفن ذهابا و ايابا تنقل الناس و المواد الى العراق و الكويت. كانت المسافة بين النهر و البيت عشر خطوات و تتصل البيوت بنا في الطرف الآخر على النهربالجسور المعلقة المصنوعة من حطب النخيل تتحرك حين المرورعليها, لذا كان الأطفال يتخوفون من المرور عليها يمسكون بايدي الأكبر منهم سنا. خلف البيت من جهة أخرى مزرعة نخيل جدي


يشقها من الوسط طريق ترابي يتسع سيارتين ذهابا و إيابا. السيارة الوحيدة في وقتها كان الباص المتسع لعشرين راكبا ياخذ أهل القرية صباحا الى عبادان و يرجع بهم مساء. كان لجدي مزرعة نخيل أخرى في الطرف الآخر من النهر تسمى المحولة كنا نذهب اليها بزورق صغير و نحمل التمر منها باللنج التي كانت ملكا لنا ايضا. ملاصقة بالبيت ارض واسعة مزروعة من الحناء و أنواع الخضار كانت جدتي تطحن الحناء, تحني أرجلنا وأيدينا و شعورنا كل يوم عصرية الصيف ثم تتلاعب أشعة الشمس لتظهر الحمرة في شعورنا تزيدنا جمالا في أعين أهالينا. أبي كان صيادا للسمك كباقي رجال القرية و يزداد عليهم أنه كان معروفا بالملا تدرب من صغره على أيدى قراء و تعلم القرائة الحسينية مع أنه لم يكن يعرف القرائة والكتابة الا أنه تعلم ذاتيا و أصبح يكتب و يقرء و اشتهر بالقارئ الفريد في القرية حيث كانت تأتيها القراء من القرى المجاورة. أصبح أبي يذهب منها الى باقي القرى مطلوبا لحسن صوته. لقد تزوج أبي ببنت عمه الملاية الفريدة في القرية و على مستوى باقي القرى أنجبت له بنتا ذات إعاقة تامة صماء بكماء. نجت البنت فسميت بنجاة ثم توفيت في الخامسة عشرة من عمرها. لم يكن لدينا طبيب أو مستشفى. و حين تستعصي الأمراض كانت ترجع الناس الى امرأة كبيرة في السن تباشر حالات الولادة و تعالج باقي الامراض. بعد ذلك تزوج أبي من والدتي الملقبة بالعجمية كانت لا تعرف العربي من مدينة قم وأبي لا يعرف الفارسية. زوجوها أهلها وهي راغبة بابن عمها, كانت تتبادل الرسائل بينها و بينه. فجأة ظهر أبي و حكاية مزرعته الكبيرة و شهرة غناء العرب عند العجم أعمى بصيرة الأب , زوجها رغما عنها. تعلمت أمي العربية في غضون أربعة أشهر مرت أيامها وهما يتحدثان مع بعضهما بالإشارات... سأحكي لكم حكاية عناءها في مجتمع مختلف عن مجتمعها.



 لم يكن لأبي اخوان حيث توفوا كلهم عند الولادة, له ثلاث أخوات، الكبيرة تحدثت عنها و الأصغرمنها كانت متزوجة بابن خال جدتي العامل في مزرعة احدى ملاك القرية كانت تبعد عنا ساعتين بباص القرية , أبي و جدى كانا يزورانها بعد كل فترة ليحملا شيئا من المؤنة لها و لأولادها، عادل نادر و معصومة و زوجها عبود. العمة الصغيرة أخذها ابن عمها بدلا من أخته التي تزوجها أبي و توفيت عنده. تزوجها ابن عمها رغما عن الجميع كما كانوا يقولون صراحة: قتلتم ابنتنا نأخذ ابنتكم و لنا أن نقتلها. أصبحت خادمة بيت العم تطبخ و تغسل للعم والعمة أولادهم و بناتهم و زوجاتهم، والأكثر من ذلك كانت تضرب يوميا ليس من زوجها بل إخوانه الذين لقبوا الزوج بالجبان لعدم ضرب زوجته الفقيرة. أنجبت أربع بنات و ماتوا ثم ولدا سموه لطيف لكثرة هدوءه و جن في السابع عشرة من عمره، له حكاية طويلة سأرويها لكم.






الأربعاء، 20 أكتوبر 2010

الأقربون أولى بالمعروف


الكاتبة نانسي
وصلني عبر البريد الالكتروني مقال من أحد الاصدقاء بعنوان (طعام ,صلاة ,حب)،انجذبت للعنوان وشدني لقراءة المقال، كان ملخص لكتاب بنفس العنوان ، يدور حول امرأه مطلقه تجول هذا العالم بحثا عن ذاتها في خلال عام الى ثلاثه اماكن الى الاكل والمتعه حيث ايطاليا ومنها الى الهند حيث الصلاه والتأمل ووجود النفس واكتشافها ونهايته بأندونيسيا حيث حصول الحب واكتشافه، شدني المقال وتمنيت لو احصل على نسخه من الكتاب، وفي اليوم التالي اجتمعنا في جمع من الاصدقاء ودار الحوار والحديث عن منجزات المرأه فقالت احدى صديقاتي بالمناسبه ..اذكر لكم بأن المقال الذي ارسلته لكم يعرض فيلما بدار السينما فهل تحبون ان تشاهدوه؟؟، فأجبتها بكل تأكيد، وفي اليوم التالي ذهبنا لمشاهدته ..بدأ الفيلم برجل يقرأ كفيها ويتنبئها بأنها ستعيش حالة الحب مرتان، الاولى لن تدوم والثانية ستدوم وبان ثروتها ستخسرها لكنها ستردها قريبا، وبأنها ستعود له مرة أخرى وستعلمه اللغه الانكليزيه، واعطاها ورقه بها صوره رجل ورموز واشار الى ناحيه القلب بأن عليك ان تنظري اليها بقلبك لا بعقلك ..اسمه "كيتوت"،ويعطي اشاره بان العالم كله يتلخص في نفس وذات الانسان.في جوهره وأصله ومبدأه.فبدأت "ليز" رحلتها من ايطاليا حيث الاكل والمتعه رغم الزحام والتغلب على مصاعب الحياه تعلمت اللغه الايطاليه، واخذت تحاكيهم بطلاقه ،ومن ثم الى الهند حيث الصلاه والتأمل ووجود النفس وايمانها، فدخلت معهم في تأدية طقوسهم، والتفتت قائله بأن الله موجود داخل نفس الانسان(الله موجود داخلي) نخاطبه بأي شكل من الاشكال ولا تحده الحركات ..ومن ثم الى "بالي" حيث اندونيسيا حدث الحب وتلتقي بالرجل الذي يدعى "كيتوت" وتذكره بها لعدم معرفته بهامخاطبا اياها بانها تغيرت فيقول لها، في الزياره الاولى كنت اكبر من سنك والآن تبدين غير فقالت له بأنها في رحله لاكتشاف ذاتهاوقال لها دائما ابتسمي من الداخل من العقل والقلب والكبد، علمته اللغه الانكليزيه وتتعلم منه كل شي ساعدت احد سكانها الفقراء بشراء منزل لهم ..وما ان وقعت في الحب صدفة مع رجل مطلق بنفس المشكله ويخاف ان يكرر التجربه فوقعا في الحب ولكنها كانت تصارع نفسها قائله (لا اريد ان احبك,اريد ان احب نفسي)وكأنها توقظ ضمير الانسان بأن تحب ,تبحث ,تتعلم,تكتشف,تنظر أبدأ من جوهرك ولاجل ذاتك ومن ثم الآخرين.




نقاط استوقفتني في الفيلم ..
· تعلم الانسان من كل شي في هذه الدنيا والاستفاده منها.طبيعه.صغير.كبير.. الخ.
- بعض الامور تحتاج ان يتظر اليها الانسان بقلبه .
· حتى الدمار هديه لانه يعتبر تقطه تحول للانسان واكتشافه لها.
· قتل روتين الانسان بان عدم مسايره المرأه للزوج والبحث عن ذاتها من خلال الصراع الذي دار بداخلها.
· طموح الانسان وبحثه عن ذاته والتغلب على الصعاب وان طاقات الانسان لا توقفها شي وبالذات ان وجدت الاراده.
· خوف الانسان من فقدان توازنه في حال تكرار المصاعب التي تعتريه في هذه الحياه.
· دائماً ابتسم في هذه الحياه ودع الاسى وافرح من داخلك لذلك كان يقول له حتى كبدك اريدها ان تضحك لذلك عند انفجار الانسان من الضحك تكبده تألمه.

الطفل الذي يسائل


سأل طفل صغير أمه : "لماذا تبكي؟

وقالت والدته له : لأني امرأة.

قال الولد : "أنا لا أفهم.

عانقته والدته و قالت: "أنت لن تعرف أبدا.

وفي وقت لاحق سأل الصبي الصغير والده : "لماذا تبكي أمي بشكل غير معقول ؟

استطاع الأب فققط أن يقول له: تبكي النساء من أجل لا شيء.

نشأ الصبي الصغير ، وأصبح رجل
، ولكن لا يزال لا يعرف لماذا تبكي النساء بشكل غير معقول وبالتالي.

فكر أن يأخذ سؤاله الى ربه اتطمئن على أنه سيعرف الرب أن يجيب.

وسأل الله : ماذا تبكي النساء بسهولة؟

خلقت المرأة و أردت لها  أن تكون موجودا خاصا
 ، لذلك جعلت كتفيها قوية بما يكفي ,لتستطيع حمل العالم باكمله عليهما...
. خلقتهما ذات نعومة عالية ليحس العالم بالراحة التامة عليهما
 . أعطيتها قوة باطنية لتحمل و تلد وتتحمل عدم اهتمام الاولاد و تركها.
 في حين أن الجميع يستسلم و يصاب بخيبة الأمل للمضي قدما
 و الاستمرار أمام المشاكل جعلتها موجودا لا يستسلم و يتقدم مهما كلف الأمر.

لها.....
 قدرة المحافظة على الأسرة حتى عندما تكون مريضة أو كبيرة السن
، من دون أي شكوى. زرعت في داخلها عشقا خالصا لاولادها
, لن تكرههم حتى و ان تعرضت منهم بأذى
, تبقى مع زوجها و تمسح عنه هموم الدنيا ثم يملء قلبها من أذاه و تسامحه.



و أخيرا قدمت لها هذه الدموع لاستخدامها في أي وقت احتاجت أليها
 و لكن أعطيتها قدرة أن تخفيها ألا اذا اختلت بنفسها.

فكر الولد الذي أصبح رجلا
  لماذا هذا العطاء الذي لا يعني الا راحة الاخرين
 و أين نصيبها في شيء بسيط منه ؟!
 أليست مخلوقة كباقي الخلائق ؟
 ما هذا اللف و الدوران....
 وبقى في حيرته دون أن يحصل على اجابة من ربه......