الجمعة، 22 أكتوبر 2010

رنا بيت العود - 2-





لقد بدأت أفكاري تطرق وجداني, تطلب من يدي لتكتب قصة الماضي بالرغم من أن ضميري يفضل حكاية الحاضر. سأفتح لكم صفحة من صفحات البوم حياتي..أريد اليوم أن أدخلكم بيتنا لتتعرفوا على عائلتي كما كانت في الماضي. كان البيت مبنيا من الطين و الحشيش بناه جدي و أبي بمساعدة جدتي و عماتي , يرممه كل سنة قبل الشتاء بوضع الطين على المواضع التي تآكلت بسبب الرطوبة والرياح. له مساحة جدا واسعة يحتوي على مخزن كبير تخبئ فيه جدتي القوت السنوي و ممتلكاتها الخاصة و تقفل عليه. لا يدخله أحد سواها و تدخلني معها بعض الاوقات كوني المحبوبة التي كانت تلقبني بالحبوبة و تعلق المفتاح في رقبتها. في جنب مخزن الرئيسة كانت الديوانية العظمي مجلس استقبال الرجال مطلا على النهر, مباشرا للمدخل الرئيسي المخصص لدخول وخروج الرجال دون المرورعلى البيت و مخدراته المسجونات. ثم غرفة لاستقبال ضيوف جدتي فهي رئيسة النساء كونها العمة. ثم غرفة أمي و أبي الزوجان المختلفان في عالم القرية سأقول لكم السبب كونوا معي فلنكمل جولتنا في البيت.. بعدها بقليل زريبة الحيوانات البقر والغنم بيت الكلب الدجاج و البط... ثم غرفة كبيرة مخصصه لتحويل التمر الى دبس, أمامه في وسط الحوش الكبير ياتي موقع الحوض, مغسلة الأيدي الجماعية لاستخدام الجميع. في الطرف الآخر من الحوض قسم خاص لعمتي و عمتها أم زوجها المنسوبة الينا من طرف الجد, زوج عمتي كان عاملا في الكويت و توفي هناك. بعدها أصبح أبي هوالمعيل لاولادها. كنا نخاطب أبناء عمتي الاثنين كاظم وعباس بالأخوة و بناتها الاثنتين منى و حكيمة أخوات.

كان بيتنا في قرية من قرى عبادان الجميلة في زمانها. لقد دمرتها الحرب اللا إنسانية التي استمرت ثمان سنوات بين طماعين و مجرمين يسيطرون على ايران و العراق. كانت عبادان تسمى عروس ايران كونها جمعت البترول , جمال كثرة الخضرة و وجود البحر, سأخصص صفحة فيما بعد لحكاية عبادان فلنواصل في حكاية بيت العود... كان البيت على طرف نهر سمي بنهر العريض لعرضه, تسبح فيه السفن ذهابا و ايابا تنقل الناس و المواد الى العراق و الكويت. كانت المسافة بين النهر و البيت عشر خطوات و تتصل البيوت بنا في الطرف الآخر على النهربالجسور المعلقة المصنوعة من حطب النخيل تتحرك حين المرورعليها, لذا كان الأطفال يتخوفون من المرور عليها يمسكون بايدي الأكبر منهم سنا. خلف البيت من جهة أخرى مزرعة نخيل جدي


يشقها من الوسط طريق ترابي يتسع سيارتين ذهابا و إيابا. السيارة الوحيدة في وقتها كان الباص المتسع لعشرين راكبا ياخذ أهل القرية صباحا الى عبادان و يرجع بهم مساء. كان لجدي مزرعة نخيل أخرى في الطرف الآخر من النهر تسمى المحولة كنا نذهب اليها بزورق صغير و نحمل التمر منها باللنج التي كانت ملكا لنا ايضا. ملاصقة بالبيت ارض واسعة مزروعة من الحناء و أنواع الخضار كانت جدتي تطحن الحناء, تحني أرجلنا وأيدينا و شعورنا كل يوم عصرية الصيف ثم تتلاعب أشعة الشمس لتظهر الحمرة في شعورنا تزيدنا جمالا في أعين أهالينا. أبي كان صيادا للسمك كباقي رجال القرية و يزداد عليهم أنه كان معروفا بالملا تدرب من صغره على أيدى قراء و تعلم القرائة الحسينية مع أنه لم يكن يعرف القرائة والكتابة الا أنه تعلم ذاتيا و أصبح يكتب و يقرء و اشتهر بالقارئ الفريد في القرية حيث كانت تأتيها القراء من القرى المجاورة. أصبح أبي يذهب منها الى باقي القرى مطلوبا لحسن صوته. لقد تزوج أبي ببنت عمه الملاية الفريدة في القرية و على مستوى باقي القرى أنجبت له بنتا ذات إعاقة تامة صماء بكماء. نجت البنت فسميت بنجاة ثم توفيت في الخامسة عشرة من عمرها. لم يكن لدينا طبيب أو مستشفى. و حين تستعصي الأمراض كانت ترجع الناس الى امرأة كبيرة في السن تباشر حالات الولادة و تعالج باقي الامراض. بعد ذلك تزوج أبي من والدتي الملقبة بالعجمية كانت لا تعرف العربي من مدينة قم وأبي لا يعرف الفارسية. زوجوها أهلها وهي راغبة بابن عمها, كانت تتبادل الرسائل بينها و بينه. فجأة ظهر أبي و حكاية مزرعته الكبيرة و شهرة غناء العرب عند العجم أعمى بصيرة الأب , زوجها رغما عنها. تعلمت أمي العربية في غضون أربعة أشهر مرت أيامها وهما يتحدثان مع بعضهما بالإشارات... سأحكي لكم حكاية عناءها في مجتمع مختلف عن مجتمعها.



 لم يكن لأبي اخوان حيث توفوا كلهم عند الولادة, له ثلاث أخوات، الكبيرة تحدثت عنها و الأصغرمنها كانت متزوجة بابن خال جدتي العامل في مزرعة احدى ملاك القرية كانت تبعد عنا ساعتين بباص القرية , أبي و جدى كانا يزورانها بعد كل فترة ليحملا شيئا من المؤنة لها و لأولادها، عادل نادر و معصومة و زوجها عبود. العمة الصغيرة أخذها ابن عمها بدلا من أخته التي تزوجها أبي و توفيت عنده. تزوجها ابن عمها رغما عن الجميع كما كانوا يقولون صراحة: قتلتم ابنتنا نأخذ ابنتكم و لنا أن نقتلها. أصبحت خادمة بيت العم تطبخ و تغسل للعم والعمة أولادهم و بناتهم و زوجاتهم، والأكثر من ذلك كانت تضرب يوميا ليس من زوجها بل إخوانه الذين لقبوا الزوج بالجبان لعدم ضرب زوجته الفقيرة. أنجبت أربع بنات و ماتوا ثم ولدا سموه لطيف لكثرة هدوءه و جن في السابع عشرة من عمره، له حكاية طويلة سأرويها لكم.






ليست هناك تعليقات: