الأحد، 24 أكتوبر 2010

مختارات من Paulo Coelhoe 2

دور القطة في التأمل

عندما كتبت " فيرونيكا تقرر الإنتحار" والذي كان كتابا عن الجنون ، كنت أسأل نفسي: كم من الأشياء التي اعتدنا عليها ضرورية بالفعل؟ وكم من تلك الأشياء هي - ببساطة - سخيفة؟ لماذا نلبس ربطة العنق؟ لماذا تتحرك الساعات في اتجاه معين؟ إذا كانت حياتنا مبنية على النظام العشري (decimal system = الأعداد تبدأ من الصفر الى التسعة) فلماذا يكون اليوم 24 ساعة وكل ساعة 60 دقيقة؟

في الحقيقة, كثير من العادات التي نذعن لها اليوم ليس لها أسس حقيقية، سوى إننا إذا قررنا مخالفتها فسوف يعتبرنا الناس " مجانين" أو "متهورين" . و هكذا, سوف تستمر المجتمعات في اختلاق عادات تصبح مع مرور الوقت لامعنى لها، و لكنها تبقى مفروضة علينا و لو لم نفهم معناها.

أورد لكم قصة من اليابان توضح مقصودي:

في أحد معابد المايوكا البوذية " mayukagi" كان استاذ التأمل يملك قطة, و كانت هي حبه الحقيقي في الحياة. و لكي يسعد برفقتها أطول وقت ممكن, كان يحتفظ بها الى جانبه أثناء دروس التأمل.

صباح ذات يوم، وجد ذلك الأستاذ العجوز ميتا، فأخذ التالي له في السن محله في التدريس. و لما تسائل الرهبان " ماذا نفعل بالقطة؟" أجابهم الأستاذ الجديد بأنه قرر الإحتفاظ بها في دروس التأمل إجلالا لأستاذه العظيم. بعد سنين, ماتت القطة، و لكن الرهبان اعتادوا على وجودها في جلسات التأمل، فجلبوا قطة أخرى لتحل محلها! و مع مرور الوقت, انتشر خبر اشتراك القطة في دروس ذلك المعبد الكبير، و عمل به الرهبان في معابد أخرى. لقد ساد اعتقاد أن حضور القطة يساعد على إنجاح التأمل.

بعد جيل من تلك الحادثة، ظهرت بعض التنظيرات لأهمية وجود القطة في جلسات التأمل. و كتب بروفيسور في الجامعة مقالا يدلل فيه على التأثير الإيجابي لحضور القطة في زيادة التركيز و إضعاف الأفكار السلبية عند المتأمل، وقد لاقى ذلك المقال قبولا لدى الأوساط الجامعية!

بعد قرن، أصبحت القطة جزءا ضروريا في دروس التأمل البوذي في تلك المنطقة. الى أن جاء أستاذ كانت لديه حساسية تجاه شعر القطط، فقرر إبعاد القطة عن الدروس اليومية مع الطلاب. فما الذي حصل؟ أنكر عليه الجميع، لكنه أصر على موقفه. ولأنه كان أستاذا قديرا فقد تمكن من تطوير مهارات الطلاب رغم غياب القطة. ولأن سائر الرهبان قد ملوا أيضا من عبء العناية بالقطط وإطعامها، فقد بدأ التخلص منها تدريجيا في المعابد.

بعد مرور عشرين سنة, انتشرت مقالات ثورية تؤكد إمكانية نجاح التأملات بدون حضور القطط. وبعد مائة سنة أصبحت المعابد خالية منها تماما، ورجعت الأمور الى حالتها الطبيعية. ولكن لماذا تطورت تلك الحادثة البسيطة لتأخذ هذا المدى؟ نستخلص من القصة أن السبب هو: لم يكن أحد يسئل بحيادية: لماذا هذه القطة هنا؟

كم هو عدد الذين يتساءلون بحيادية عن الأشياء في حياتهم؟ لماذا علينا أن نتقيد بهذا السلوك أو ذاك؟ كم من القطط العقيمة نستخدمها في حياتنا اليومية و لكننا لا نجرأ على التخلص منها, فقط لأنه قيل لنا أنها ضرورية لتصبح حياتنا مثمرة؟

لماذا لا نستطيع ابتكار طرق جديدة للسلوك؟

ليست هناك تعليقات: